عقب أسابيع قليلة من حديث رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية فايز السراج عن نيته التنحي من منصبه، جاء اتفاق وقف إطلاق النار بين أطراف النزاع في ليبيا في ظروف غامضة، الأمر الذي أثار شكوكاً وتخوفات واسعة في تركيا من وجود حراك ومساعي حثيثة لضرب نفوذ أنقرة في ليبيا، كما فتح الباب واسعاً أمام التكهنات حول مصير اتفاق التعاون العسكري الذي يتواجد الجيش التركي بموجبه في الأراضي الليبية.

وتخشى تركيا بدرجة أساسية أن يكون الاتفاق وبشكل خاص البند الذي يتحدث عن سحب المرتزقة والقوات الأجنبية يستهدف وجودها العسكري هناك، لكن مسؤولين ليبيين وأتراك يؤكدون أن التواجد التركي يأتي في إطار اتفاق رسمي بين حكومتي بلدين ولا تشمله أي بنود أو اتفاقيات تتعلق بالمرتزقة والقوات الأجنبية التي تتدخل بشكل غير شرعي.

الموقف التركي من اتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا، جاء حذراً للغاية من اللحظات الأولى، وكشف عن وجود برود اتجاهه ويبدو أن أنقرة لم تكن جزءا مباشراً منه ولم تتلق الضمانات الكافية حول بنوده التي يمكن أن يستخدم بعضها في محاولة تشكيل حالة من الضغط عليها لسحب قواتها من ليبيا.

وفي أول تعقيب رسمي على الاتفاق، قال الرئيس التركي رجب طيب اردوغان إن الاتفاق “ضعيف المصداقية وستظهر الأيام مدى صموده” وأوضح أنه تم على مستوى مندوبين أحدهما يمثل الانقلابي حفتر والآخر قائد عسكري من مصراتة يمثل حكومة الوفاق الوطني التي يرأسها فائز السراج.

ولفت إلى أن اتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا “ليس اتفاقا على أعلى مستوى وستُظهر الأيام مدى صموده” مضيفاً: “أتمنى أن يتم الالتزام بهذا القرار لوقف إطلاق النار”. وفيما يخص ما تردد حول التوافق بشأن انسحاب المرتزقة، قال اردوغان: “لا نعلم مدى صحة (قرار) انسحاب المرتزقة من هناك في غضون 3 أشهر”.

كما شكك الناطق باسم حزب “العدالة والتنمية” عمر جليك بفرص نجاح الاتفاق، وقال: “سيرى الجميع الطرف الذي سيلتزم بالاتفاق، والطرف الذي سينتهكه، حيث تم التوصل إلى هدنة في السابق، لكن حفتر استمر في عدوانه” مجددا دعم أنقرة وحدة الأراضي الليبية، والتوصل إلى حل يتبناه جميع أبناء الشعب.

في المقابل، فإن التعليق الرسمي الليبي على الاتفاق لم يكن بمستوى الحذر الشديد الذي اتسم به التعليق التركي، حيث اعتبر رئيس المجلس الرئاسي للحكومة الليبية فايز السراج، أن توصل وفدي اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) الليبية، إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، “يمهد الطريق لنجاح بقية مسارات الحوار” معتبراً أنه اتفاق “يحقن الدماء ويرفع المعاناة عن المواطنين ويمهد الطريق لنجاح مسارات الحوار الأخرى الاقتصادية والسياسية”.

لكن عقب التخوفات التركية التي بدأت من تلويح السراج بالاستقالة وليس انتهاء باتفاق وقف إطلاق النار، بدأت أنقرة تحركات واسعة للحصول على تطمينات يبدو أنها حصلت على جانب مهم منها لا سيما فيما يتعلق باستمرار السراج في مهامه لحين تشكيل مجلس رئاسي جديد، كما حصلت على تطمينات من الحكومة الليبية بان اتفاق وقف إطلاق النار لا يمس الاتفاق العسكري معها.

وعقب أيام من إعلان السراج نيته الاستقالة، زار مدينة إسطنبول والتقى اردوغان الذي يعتقد أنه حثه بقوة على عدم الاستقالة قبيل تشكيل مجلس رئاسي جديد، وقبل أيام طالب المجلس الأعلى للدولة الليبي، السراج، بالاستمرار في أداء مهامه حتى اختيار مجلس رئاسي جديد تجنبا لأي فراغ سياسي، ومن أجل استقرار البلاد، وذلك في رسالة وجهها رئيس المجلس خالد المشري، إلى السراج.

كما طالب مجلس النواب الليبي بطرابلس، السراج، تأجيل قراره حول عزمه تسليم السلطة نهاية تشرين الأول/اكتوبر الماضي لـ”دواعي المصلحة العليا” وطالب السراج إحاطة المجلس الإثنين المقبل، حول الوضع السياسي وطرح المعوقات التي تواجهها الحكومة في إدارة الأزمات.

في السياق ذاته، قالت الأمم المتحدة، إنها تأمل في بقاء السراج رئيسا للمجلس الرئاسي الليبي لحين تكليف سلطة تنفيذية جديدة كأحد مخرجات الحوار السياسي الليبي. وإلى جانب هذه الدعوات فإن مصادر تركية تشير إلى تلقي أنقرة تطمينات من السراج خلال زيارته الأخيرة إلى إسطنبول بأنه لن يستقيل قبيل التوصل إلى تفاهمات سياسية جديدة تضمن عدم حصول فراغ سياسي وانهيار الشرعية القائمة من خلاله.

وفيما يتعلق باتفاق وقف إطلاق النار بشكل مباشر، أعرب وزير الدفاع الليبي، العقيد صلاح الدين النمروش، الأحد، عن تمسك الحكومة، المعترف بها دوليا، بالتعاون العسكري مع تركيا، والتزام قواته باتفاق وقف إطلاق النار، مع رفض أي وجود لقائد الميليشيا، الجنرال خليفة حفتر، في موقف أوضح بكثير من موقف السراج اتجاه الدور التركي.

المعتدون والمدافعون

وتعقيباً على ما نشرته وسائل إعلام مقربة من حفتر بأن اتفاق جنيف يشمل وقف اتفاقيتي التعاون العسكري وترسيم الحدود الموقعتين مع تركيا، قال النمروش، في سلسلة تغريدات على حسابه بـ”تويتر: “لا يشمل توقيع الاتفاق المبدئي (5+5) اتفاقية التعاون العسكري مع دولة تركيا” مضيفاً: “نؤكد على تعزيز التعاون المشترك مع الحليف التركي واستمرار برامج التدريب التي تلقاها وسيتلقاها المنتسبون في معاهد التدريب التابعة لوزارة الدفاع بحكومة الوفاق الوطني”، وتابع: “التعاون في مجالات التدريب الأمني والعسكري لقواتنا لا علاقة له من قريب أو بعيد بكل اتفاقيات وقف إطلاق النار”.

كما أكد المجلس الأعلى للدولة الليبي في بيان، على استمرار التعاون مع تركيا، بقوله إن اتفاق جنيف “لا يشمل ما أبرمته السلطة التنفيذية الشرعية (حكومة الوفاق) من اتفاقات شرعية مع الدولة التركية”. وحذر وزير الداخلية الليبي فتحي باشاغا، من عدم جدوى قرار وقف إطلاق النار المنبثق عن محادثات جنيف، في ظل استمرار التدخل الأجنبي في البلاد.

في السياق ذاته، شكك مجلس النواب الليبي في طرابلس، بجدية حفتر بالالتزام بالاتفاق وشدد على أن العبرة في التنفيذ والالتزام بالبنود، في حين طلب الجيش الليبي، من الأمم المتحدة إرسال مراقبين إلى مدن سرت والجفرة وبراك، لضبط المسائل المتعلقة بالمرتزقة الذين يقاتلون إلى جانب ميليشيا حفتر.

وانتقد المركز الإعلامي لعملية بركان الغضب الاتفاق، معتبراً أنه “أعطى موقفا شبه ندي للمجرم المعتدي وميليشياته الهاربة” في إشارة إلى حفتر، وقال: “نثمن موقف وزير الدفاع (صلاح الدين النمروش) والمتحدث باسم الجيش الليبي (محمد قنونو) في إعلان موقف مشروط، من الاتفاق المبدئي، بين أطراف اللجنة العسكرية 5+5”. من جهته رفض وزير الدفاع محاولة “جعل المعتدين على طرابلس والمدافعين عنها سواء” في إشارة إلى مشاركة ممثلين عن ميليشيا اللواء حفتر في جلسات الحوار.

وتؤكد تركيا وحكومة الوفاق على أن تواجد القوات التركية في ليبيا يأتي في سياق اتفاق رسمي بين حكومتين شرعيتين وأن أي اتفاق بين الأطراف الليبية أو برعاية دولية ينص على سحب المرتزقة والقوات الأجنبية لا يشمل القوات التركية النظامية التي عززت تواجدها باتفاقيات رسمية لا يمكن إلغائها بسهولة.

تعليقات