“نوايا غير حسنة” وراء ترحيب البيت الأبيض باتفاقية وقف إطلاق النار

رائد صالحة – جذبت الانتخابات الرئاسية الأمريكية انتباه الليبيين، وعززت الآمال في أن الإدارة الجديدة يمكن أن تساعد في إحلال بعض الاستقرار في البلد الذي تعصف فيه المعارك منذ الإطاحة بالرئيس السابق معمر القذافي في عام 2011.

ولا ينظر الشعب الليبي بارتياح أو مودة إلى إدارة الرئيس دونالد ترامب، ووفقاً لاستطلاع أجرته مؤسسة “غالوب” في تموز/يوليو الماضي، فقد وافق 20 في المئة فقط من الليبيين على الأداء الوظيفي للقيادة الأمريكية، بينما عارضها 62 في المئة.

وحاولت واشنطن بالفعل الابتعاد عن المسألة الليبية في السنوات الأخيرة، بعد أن فك الرئيس السابق باراك أوباما الارتباط إلى حد كبير مع البلاد بعد أن قتل متشددون السفير الأمريكي في بنغازي في عام 2012.

ولاحظت منصات إعلامية أمريكية أن دولاً أخرى قد سارعت لملء الفراغ، الذي تركته الولايات المتحدة في ليبيا، بحيث أصبحت ليبيا مكاناً لمعارك بالوكالة بين قوات مدعومة من عدة أطراف، مثل روسيا ومصر والإمارات.

وقد دفعت الاشتباكات الولايات المتحدة إلى التوسط في عهد ترامب، ولكن نهجه بدا مشوشاً بشكل صارخ، وفي الواقع، كما قال العديد من المحللين، فقد أسفرت الرسائل الأمريكية المتضاربة وعدم وجود إستراتيجية واضحة في واشنطن تجاه ليبيا عن زيادة المشكلة كما أدت إلى إشكالية في واشنطن نفسها بشأن السياسة الخارجية.

وعلى سبيل المثال، أشارت محطة “إن بي سي” إلى أن وزير الخارجية مايك بومبيو قد طالب في نيسان/أبريل 2019 بأن تنسحب ميليشيات الانقلابي خليفة حفتر من هجوم على طرابلس، في حين امتدح ترامب في تصريح مفاجئ حفتر مع إشارات مزعومة على دوره في محاربة الإرهاب.

والتوقعات في واشنطن، تشير إلى إن إدارة برئاسة المرشح الديمقراطي جو بايدن، قد تكون أكثر تنظيماً في طريقة الاستجابة للأزمة في ليبيا، مع اجماع بين الخبراء على أن الافتقار إلى القيادة الأمريكية قد زاد من الاضطرابات في ليبيا.

وهناك اعتقاد بين العديد من المحللين الأمريكيين والليبيين على أن الدولة الوحيدة التي يمكنها وضع حد للفوضى في ليبيا هي الولايات المتحدة، ولهذا السبب لن يكون مستقبل ليبيا جيداً إذا بقي ترامب في منصبه.

ومن الأمثلة الحديثة على تعقيدات العلاقة الأمريكية مع المسألة الليبية، كان رد واشنطن على قرار وقف إطلاق النار في ليبيا، إذ قال وزير الخارجية بومبيو إن “وقف إطلاق النار الأخير بين طرفين متعارضين في اشتباكات طويلة الأمد في ليبيا هو خطوة شجاعة”.

وأشاد بومبيو في بيان بدور الأمم المتحدة في التوسط في وقف إطلاق النار، وقال إنه من الأهمية بمكان أن يستمر هذا التقدم وأن تدعم جميع أطراف النزاع هذا النجاح، وقد جاءت تصريحاته بعد أيام من مشاركة حكومة الوفاق المعترف بها دوليا وقوات الانقلابي حفتر لإنهاء الصراع، المستمر منذ 9 سنوات.

وأكد بومبيو أن الولايات المتحدة ترحب بإعلان توقيع الليبيين على اتفاقية وقف إطلاق النارعلى مستوى البلاد، مشيراً إلى ان الاتفاقية تسعى إلى قوة عسكرية مشتركة وآلية لمراقبة الانتهاكات المستقبلية.

وجاء في بيان صادر عن السفارة الأمريكية في ليبيا أن “هذا الاتفاق يعد خطوة كبيرة للأمام نحو تحقيق المصالح المشتركة لجميع الليبيين في خفض التصعيد والاستقرار ورحيل المقاتلين الأجانب” وحث البيان جميع الجهات الفاعلة الداخلية والخارجية الآن على دعم تنفيذ الاتفاق بحسن نية.

وعلى أية حال، لا يمكن الاتكاء على “حسن النوايا” في إدارة ترامب لضمان تنفيذ الاتفاق. ووفقاً للعديد من المحللين الأمريكيين، من الأفضل انتظار نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، التي من المتوقع أن تؤدي إلى تحول كبير في السياسية الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، بما في ذلك ليبيا، وكما هو معروف، فقد تعامل ترامب بكل احترام مع “الرجال الأقوياء” خاصة أولئك الذين عُرف عنهم الاستبداد وانتهاك حقوق الإنسان واحتقار الديمقراطية، وربما يفسر ذلك مكالماته الودية مع الانقلابي حفتر، وهناك اعتقاد لدى العديد من الخبراء أن ترحيب البيت الأبيض بالاتفاقية، هو في الواقع، لا يتجاوز التعليقات الدبلوماسية التقليدية الرتيبة، ويخلو من “النوايا الجدية الطيبة” في إنهاء القتال، وأن اهتمام واشنطن الوحيد، الآن وفي المستقبل القريب، هو إبعاد روسيا وتركيا عن ليبيا، وليس الأطراف الأخرى.

وبالنسبة إلى المرشح الديمقراطي جو بايدن، الذي كان نائباً للرئيس السابق باراك أوباما عندما قدمت الولايات المتحدة دعماً جوياً، كجزء من عمليات الناتو، من أجل الإطاحة بالرئيس القذافي، وقد أنفق الجيش الأمريكي حوالي ملياري دولار وعدة أشهر في دعم الثورة ضد القذافي، فقد قال بايدن في ذلك الوقت متاخراً إن الولايات المتحدة انفقت ملياري دولار ولكنها لم تخسر حياة واحدة.

ومع ذلك، أشارت حملة بايدن إلى تقرير بوليتيكو لعام 2016 قال فيه المرشح الديمقراطي في مقابلة مع تشارلي روز، إن التدخل الأمريكي في ليبيا كان خطأ، وذكر التقرير أن بايدن أخبر روز أنه “جادل بقوة” داخل البيت الأبيض “ضد الذهاب إلى ليبيا” وأفادت المجلة أن بايدن قال في المقابلة، أيضاً، إنه لا ينبغي للولايات المتحدة استخدام القوة ما لم تتعرض مصالح البلاد أو الحلفاء للتهديد المباشر، وما إذا كان يمكن القيام بذلك “بشكل فعال” وما إذا كان يمكن استدامتها.

وقد صوتّ بايدن كعضو في مجلس الشيوخ لصالح القرارات التي تدعم التدخلات الأمريكية في العراق ويوغسلافيا (صربيا والجبل الأسود) وكنائب للرئيس السابق باراك أوباما، اتبع سياسات أوباما التي تضمنت التدخل في سوريا وليبيا، ولكن التقارير أكدت بالفعل بأنه جادل ضد التدخل في ليبيا.

تعليقات