فالح الحمراني – اعترف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بحق شركة “فاغنر” العسكرية الخاصة “بتقديم” مصالحها في العالم بشرط عدم انتهاكها قانون الاتحاد الروسي. وقال في 20 كانون الأول/ديسمبر الماضي، في المؤتمر الصحافي الواسع الذي يعقده سنويا: “إذا كانت هناك انتهاكات في عمل شركة فاغنر العسكرية الخاصة، فيجب على مكتب المدعي العام أن يقدم لهم تقييمًا قانونيًا”. وتنأى السلطات الروسية بنفسها عن أنشطة فاغنر بما في ذلك في ليبيا، وتعلن إنها شركة خاصة لا تمثل الدولة.

عدد عناصر فاغنر في ليبيا حوالي 1000 مقاتل

ويشار إلى ان شركة “فاغنر” الأمنية التي اكتسبت اسمها من اسم أحد مؤسسيها، هي تشكيل مسلح غير رسمي مرتبط برجل الأعمال في سانت بطرسبرغ يفغيني بريغوجين، الذي يشاع انه مقرب من الرئيس بوتين. ويقدم عناصر الشركة خدمات أمنية في عدة دول في أفريقيا، ووفقًا لبعض التقارير غير الرسمية، فإنهم شاركوا أيضًا في الأعمال القتالية في دونباس وسوريا وتم إرسالهم إلى السودان. وفاغنر أول مؤسسة روسية بهذا الاتجاه وهذا الحجم وسعة الانتشار، ويمكن مقارنتها بالشركات الأمنية الغربية التي تمارس نفس العمليات في العديد من دول العام. وعرف العالم في السنوات الأخيرة استخدام مثل هذه الشركات الأمنية الخاصة، التي تؤدي مختلف الخدمات، والتي كان مثالها الصارخ في الساحة العربية نشاط شركة “بلاك ووتر” وغيرها في العراق، وما ارتكبته من خروقات قانونية وانتهاكات إنسانية. وتحارب بعض الأطراف الدولية “فاغنر” وتمضي للتشهير بها في إطار الصراعات الجيو/ سياسية ومحاولات بسط النفوذ على الأسواق ومصادر الطاقة، والخشية من استخدامها كوسيلة لتعزيز روسيا مواقعها دوليا.

وأوضح الرئيس بوتين وهو يرد على سؤال بشأن أنشطة في “فاغنر” في مختلف الدول بما في ذلك في ليبيا: “يجب على الجميع الالتزام بالقانون، الجميع. ويمكننا حظر الأعمال الأمنية الخاصة تمامًا، ولكن بمجرد قيامنا بذلك، أعتقد أنهم (منتسبو الشركات الأمنية) سيأتون إلينا بعدد كبير من الطلبات لحماية سوق العمل هذا”.

كما أعرب مكتب المدعي العام لروسيا عن استعداده للنظر في شرعية تصرفات ممثلي ما يسمى بالشركة العسكرية الخاصة “فاغنر” في حالة تلقي طلب. ولم تكن هناك طلبات رسمية للتحقق من أنشطة هذه الهياكل إلى مكتب المدعي العام. وقال الكسندر كورينوي، الممثل الرسمي للوكالة الرقابية، لوكالة “إنترفاكس” إذا تم تلقي مثل هذه الطعون، فسننظر فيها وفقًا للإجراءات المعمول بها بما يتفق بدقة مع القانون. وأشار في الوقت نفسه: “لسنا على علم بأي أعمال غير قانونية من جانب ممثلي ما يسمى بـ PMC” فاغنر”.

حراسة المواقع الاستراتيجية

وتعتمد معظم المعطيات المتداولة عن تواجد مسلحي شركة فاغنر العسكرية الروسية الخاصة ومهامها المكلفة فيها في ليبيا على تقرير لم ينشر ووصف بأنه سري من خبراء الأمم المتحدة والذي قالت بعض وكالات الأنباء الغربية إنها تعرفت عليه. ويقدر التقرير المشار إليه عدد عناصر فاغنر بحوالي 1000 مقاتل في ليبيا، وأنها مكرسة لتعزيز مفارز المشير خليفة حفتر. وينسب للتقرير المؤلف من 57 صفحة والمقدم إلى لجنة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والذي تم تشكيله لمراقبة الامتثال للعقوبات المفروضة فيما يتعلق بالوضع في ليبيا، إشارته إلى أن هناك مجموعات من القناصين بين مقاتلي الشركات العسكرية الخاصة. ولاحظ مؤلفو التقرير أن الروس يسودون بين “الفاغنريين” لكن هناك أيضًا مواطني بيلاروسيا ومولدوفا وصربيا وأوكرانيا. ووفقًا لخبراء الأمم المتحدة، أن المقاتلين يستخدمون أسلحة مماثلة لتلك التي كانوا مسلحين بها في سوريا وشرق أوكرانيا.

واختلفت المعطيات عن المهام التي يقوم بها عناصر فاغنر في ليبيا. وبعضها يشير إلى انهم يتولون حراسة المواقع الاستراتيجية، بما في ذلك الاقتصادية والنفطية وغيرها، المعطيات الأخرى تشير إلى قيامهم بدور المستشارين العسكريين، أو عمليات توجيه إطلاق الصواريخ نحو أهداف الخصم. ويرجح المراقب السياسي المهتم بشؤون الشرق الأوسط قسطنطين ايجورت: “أن المارشال حفتر الذي يقاتل الحكومة الليبية المعترف بها دوليًا، يحتاج عناصر فاغنر من أجل هدف آخر”. ربما حسب قوله “يتعلق الأمر كله بالاستخبارات، فضلاً عن مساعدة القادة الميدانيين على الأرض في التخطيط التشغيلي والتكتيكي بالإضافة إلى عمليات التخريب”. وذكرت وسائل الإعلام أكثر من مرة أن هناك العديد من القناصين الممتازين بين مقاتلي فاغنر. ويعتقد مؤلفو التقرير الأممي، أن المسلحين يشاركون أيضًا في “مهام عسكرية أكثر تخصصًا، مثل وظائف مراقب مدفعية متقدم ومركز توجيه أمامي للطيران” كما أنهم يشاركون في مهام القناصة.

وتنفي السلطات الروسية تورطها في الأعمال القتالية في ليبيا. وقال ديمتري بيسكوف، السكرتير الصحافي للرئيس الروسي: إن “موسكو لا تشارك في هذا بأي شكل من الأشكال”. وفي كانون الأول/ديسمبر الماضي قال ردًا على كلام الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بشأن نشر ألفي مقاتل من شركة فاغنر في ليبيا، إن ليبيا أصبحت “ملاذًا لمرتزقة من عدد من الدول، من عدد كبير من الدول” وفي شباط/فبراير 2020 نفت وزارة الخارجية الروسية تصريحات اردوغان بأن روسيا تقود الحرب في ليبيا “على أعلى مستوى”. وقال بيسكوف إن فلاديمير بوتين لم يرسل قوات إلى ليبيا ولم يصدر أوامر بهذا المعنى. وأضاف “لا توجد قوات روسية في ليبيا”.

وقال ميخائيل بوغدانوف ممثل الرئيس الروسي للشرق الأوسط ونائب وزير الخارجية الروسية، المسؤول فيها عن المنطقة، في حديثة لصحيفة “الأهرام” المصرية، إن المعلومات التي تنشر من قبل عدد من المصادر الأجنبية، بما في ذلك وزارة الخارجية الأمريكية، حول وجود منتسبي شركة فاغنر العسكرية الخاصة في ليبيا ومشاركتهم في الأعمال العدائية إلى جانب الجيش الوطني الليبي لحفتر، تستند إلى بيانات مزورة وتهدف إلى تشويه سمعة السياسة الروسية في الشأن الليبي. وأضاف أن مثل هذه التصريحات تعتمد على مصادر ذات طبيعة مشكوك فيها في كثير من الأحيان ولها مصلحة مباشرة في دعم معارضي حفتر. ولا يمكن إثبات صحة عدد من “الحقائق”. وعلى حد قوله إن العديد من المعلومات، خاصة فيما يتعلق بالمواطنين الروس المذكورين، لا أساس لها من الصحة. وإن الأشخاص الذين يُزعم أنهم يقاتلون في ليبيا لم يغادروا بلدنا أصلا. وقال: أن اللوائح بأسمائهم تم نسخها من قاعدة البيانات الأوكرانية “رياسيماركير” المثيرة للجدل.

وفي مؤشر على ان شركة فاغنر تحولت إلى عامل خوف للغرب من ان تكون أداة لترسيخ المواقع الروسية دوليا، أعلن وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر خلال لقائه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في 1 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، إن واشنطن تعتزم منع موسكو من نشر قواعد عسكرية في ليبيا. وأكد إسبر أن القوات المسلحة الأمريكية في ليبيا لديها هدف جديد – محاربة شركة فاغنر العسكرية الروسية الخاصة. وأعلن خلال الاجتماع ضرورة وقف تحركات شركة فاغنر العسكرية الروسية الخاصة في ليبيا. وفي السياق أدرج الاتحاد الأوروبي رجل الأعمال الروسي يفغيني بريغوجين في قائمة العقوبات، متهما إياه بدعم إمدادات الأسلحة إلى ليبيا.

من الصعوبة الآن الحديث عن مستقبل تواجد مقاتلي شركة فاغنر في ليبيا نظرا لسرية تحركاتهم والتظليل عليها، بيد أنه وفي إطار الاتفاقية التي وقعتها الأطراف المتورطة في النزاع في ليبيا في 23 تشرين الأول/اكتوبر فإن على كافة المقاتلين الأجانب مغادرة ليبيا في غضون 90 يوما من بدء وقف إطلاق النار، ومن دون شك أن هذا يشمل عناصر شركة “فاغنر” العسكرية الخاصة. وذكرت بعض الأنباء أن فصيلا من “فاغنر” توجه الشهر الماضي إلى فنزويلا للقيام بمهام حراسة بعض المنشآت الاستراتيجية.

تعليقات