رشيد خشـــانة – بدأت تحوم شكوك حول انعقاد الاجتماعات التشاورية المقرر انطلاقها غدا في مدينة غدامس، بعد دعوة رئيس مجلس النواب إلى جلسة رسمية للمجلس في بنغازي غدا، بغية إحباط مسار غدامس.

يُعاود المتحاورون الليبيون اجتماعاتهم، غدا، في مدينة غدامس جنوب غرب العاصمة طرابلس، فيما حسم التصويت عقدة آلية انتخاب رئيسي المجلس الرئاسي والحكومة. وعقد الواصلون إلى غدامس اجتماعات تشاورية في انتظار التحاق بقية المشاركين بزملائهم، لعقد الجلسة الرسمية. ويُتوقع أن يصل اليوم عشرون مشاركا، بعدما اختتمت الأربعاء الجولة الرابعة من الحوار بين طرفي الصراع الليبي، في مدينة طنجة المغربية. وكشفت مصادر إعلامية مغربية أن وفدا مغربيا سيكون حاضرا في الاجتماع المرتقب لمجلس النواب في مدينة غدامس، “دعما لجهود المصالحة الوطنية” بين البرلمانيين المتصارعين، وهي خطوة لم تقم بها دول الجوار الأخرى.

وكان أكثر من 120 عضوا من مجلس النواب الليبي بشقيه في طرابلس وطبرق (شرق) شاركوا في الاجتماعات التشاورية في طنجة، للبحث في الإعداد للانتخابات العامة المقررة لكانون الأول/ديسمبر من العام المقبل، في إطار التأسيس لدولة مدنية حديثة. وأفادت أوساط البعثة الأممية أن الموفدة الأممية بالوكالة، ستيفاني ويليامز أجرت اتصالا هاتفيا مع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، قبل انطلاق جلسات الحوار في غدامس (التي لن يحضرها الأخير) طالبته فيه بدعم المسار السياسي واتخاذ جميع الخطوات التي تساعد في الوصول إلى حلول.

وكان المجتمعون ناقشوا على مدى يومين مسألة دقيقة تخص آلية تولي المناصب العليا في المؤسسات السيادية، ومنها المؤسسة الوطنية للنفط ومصرف ليبيا المركزي وهيأة مكافحة الفساد وديوان المحاسبة ومنصب النائب العام. كما بحثوا مسار وضع دستور في غضون ستين يوما، علما أن “لجنة الستين” المكلفة بكتابة مسودة دستور، أنهت أعمالها منذ 2017 ولم يتقرر ما إذا كان المشروع، الذي أعدته بالتوافق بين أعضائها، سيُعرض على الاستفتاء، أم سيتم التصويت عليه من ثلثي أعضاء البرلمان.

الآلية الثانية

أما في موضوع آلية انتخاب رئيس الحكومة ورئيس المجلس الرئاسي، ففازت في الأخير الصيغة الثانية من بين تسع آليات مقترحة. وهي تقضي بتسمية رئيس الحكومة عن طريق تصويت الأعضاء، وليس المجمعات الانتخابية، وذلك من خلال جولتين، على أن يكون ذلك أمام الجلسة العامة للجنة الحوار السياسي. وأجريت الخميس عملية الاقتراع الفردي على آلية اختيار رئيسي المجلس والحكومة الجديدين، بمشاركة أعضاء لجنة الحوار السياسي الخمسة والسبعون. وأفاد مشاركون في الاقتراع، أن البعثة الأممية اتصلت بكل عضو من المشاركين في الحوار، بشكل منفرد، لتسمع رأيه على أن يُصوت أيضا بورقة مكتوبة. وأدى اختيار الأعضاء للآلية الثانية، من بين تسع، إلى تضاؤل فرص وزير الداخلية الحالي فتحي باشاغا بالفوز بمنصب رئيس الحكومة المقبل، بعدما كان يُعتبر الأوفر حظا للفوز به. وقام باشاغا، الذي يتحدر من مدينة مصراتة ذات النفوذ السياسي والاقتصادي الكبير، والمقرب من جماعة الإخوان المسلمين، بجولات في الفترة الأخيرة، على عواصم اقليمية ودولية مُتداخلة في الصراع الليبي، وهي مبادرة اعتُبرت حملة انتخابية لضمان المقبولية لدى الأطراف الخارجية المؤثرة في الملف الليبي.

من جهة أخرى قام رئيس مجلس النواب عقيلة صالح بمناورة قد تؤثر سلبا في اجتماعات غدامس، بدعوته أعضاء المجلس إلى اجتماع غدا الاثنين في المقر الدستوري للمجلس ببنغازي، ما اعتبره بعض النواب محاولة للتشويش على لقاء غدامس بُغية إفشاله.

وسيحدد مستوى الاستجابة للدعوة قوة الارباك التي يتمتع بها صالح، المتحالف مع الجنرال حفتر. غير أن وصول قرابة مئة نائب إلى غدامس الجمعة يُظهر أن فرص نجاح المناورة ستكون محدودة على الأرجح. ومن المفارقات أن ملتقى ليبيا- ليبيا كان مقررا أن يُعقد في غدامس بين 14 و16 نيسان/ابريل 2019 لإيجاد حلول سياسية للأزمة، وأن الجنرال حفتر قوضه بإطلاق هجومه على طرابلس، قبل عشرة أيام من الميقات المحدد له، وبعدما أمضى رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم المستقيل غسان سلامة قرابة السنة في الاعداد له.

سباق أمريكي روسي

ولوحظ أن هناك سباقا أمريكيا روسيا في الفترة الأخيرة لتكثيف الحضور السياسي والاقتصادي في ليبيا، وقد تجلى من خلال الاتصالات التي أجراها نائب وزير خارجية روسيا ميخائيل بوغدانوف، مع سياسيين ومسؤولين ليبيين لبحث تطورات الوضع، في ضوء جولات الحوار الأخيرة، في تونس وطنجة. ويشغل بوغدانوف منصب الممثل الخاص لرئيس الاتحاد الروسي للشرق الأوسط والدول الأفريقية. وفي خط مواز رعى السفير الأمريكي لدى ليبيا رتشارد نورلاند، التوقيع على اتفاق تعاون بين وزارة المال في حكومة الوفاق الوطني والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. ويرمي الاتفاق إلى تقديم الدعم للسلطات الليبية من أجل تعزيز الشفافية المالية وتحسين إدارة المالية العامة، وبالأخص تمكين البلديات من لعب دور أكبر في تقديم الخدمات للجمهور الليبي، في جميع أنحاء البلد، بما في ذلك الجنوب، حيث مؤسسات الدولة شبه منهارة.

لكن مراقبين استغربوا من العبارات التي استخدمها السفير الأمريكي في معرض تقديم النُصح للسلطات الليبية حول كيفية إدارة الملفات الاقتصادية، إذ بارك نورلاند الترتيبات الجديدة ، التي تم بموجبها تجميد إيرادات بيع النفط والغاز، ووضعها تحت إدارة غير سياسية، كإجراء “مؤقت واستثنائي” في انتظار أن تبت لجنة الحوار الاقتصادي، المتفرعة من مسار برلين هذا الملف. أكثر من ذلك دعا السفير إلى عقد اجتماع لكبار التكنوقراط وصناع السياسات الليبيين، لإجراء حوار حول التحديات الاقتصادية التي تواجه البلد.

ومن المقرر أن يُتخذ قرار نهائي في هذه المسألة على صعيدي ملتقى الحوار الليبي ولجنة الحوار الاقتصادية، اللذين تُيسرهما الأمم المتحدة. غير أن البعثة ورئيستها الأمريكية ستيفاني وليامز كانتا محل انتقادات شديدة من أطراف سياسية ليبية، اعتبروا أنها تغض الطرف عن استمرار تدفق السلاح على ليبيا، خصوصا من تركيا. وانتقد عضو مجلس النواب سعيد امغيب تعاطي البعثة الأممية مع التدخل التركي في ليبيا، مؤكدا أنها “ترى وصول الأسلحة إلى ليبيا ولا تتخذ أي خطوات حيال الأمر” مشددا على ضرورة أن تتخذ “بعض الخطوات الجادة” لتنفيذ القرارات التي اتخذها البرلمان في هذا الشأن.

عاصفة من الانتقادات

وأثارت الكلمة التي ألقتها وليامز الأربعاء في جلسة المشاورات عاصفة من الامتعاض لدى حكومة الوفاق، بعدما أكدت رئيسة البعثة أن ليبيا تضم حاليا عشر قواعد عسكرية أجنبية في مناطق البلد المختلفة، و20 ألفا من القوات الأجنبية (المرتزقة) ما اعتبرته المبعوثة انتهاكا جسيما للسيادة الليبية. وسرعان ما أتى الرد على تلك التصريحات من حكومة الوفاق، في لهجة غير معتاد عليها بين البعثة و”الوفاق” التي قالت في بيان صحافي “كان ينبغي على رئيسة البعثة بالوكالة أن تسمي الأشياء بمُسمياتها وتوضح من بدأ بإدخال السلاح إلى ليبيا وجلب المرتزقة وهجم على العاصمة في حضرة الأمين العام للأمم المتحدة” في إشارة إلى زيارة غوتيريس للجنرال حفتر في مقره بالرجمة، قبيل إطلاق الأخير هجومه على طرابلس في الرابع من أبريل/نيسان 2019. وانتقدت “الوفاق” بشكل خاص حديث وليامز عن وجود “طبقة من الفاسدين المصممين على البقاء في السلطة” من دون إيضاح الجهة التي تقصدها. وتجدر الاشارة إلى أن وليامز، التي خلفت، عمليا، الموفد الأممي السابق إلى ليبيا الدكتور غسان سلامة، ستغادر منصبها الحالي قريبا، بعد انتهاء فترتها القانونية.

وتتزامن هذه الانتقادات النادرة للدور الأممي، مع ما كشف عنه الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في مذكراته عن ملابسات مشاركته، مع كل من الفرنسي نيكولا ساركوزي، والبريطاني ديفيد كامرون، في الاطاحة بالزعيم الليبي السابق معمر القذافي في 2011 تحت غطاء الحلف الأطلسي. واعتبر أوباما أنه ارتكب أسوأ خطأ عندما لم يضع خطة لمرحلة ما بعد سقوط القذافي، ومتابعة الأوضاع في أعقاب انتهاء العمليات العسكرية، ما أدى إلى حالة فوضوية.

والأرجح أن الرئيس المنتخب جو بايدن على هذا الرأي أيضا، إذ كشف أوباما أن بايدن، الذي كان نائبه في تلك الفترة، لم يكن متحمسا للتدخل العسكري في ليبيا، ما يؤشر إلى توقع تعديل في الموقف الأمريكي من الأزمة الليبية في ظل الادارة الجديدة. غير أن ملامح هذا التعديل لم تتوضح بعدُ.

في هذه اللوحة الداكنة، تبرز بعض النقاط المضيئة، بينها ارتفاع إيرادات النفط والغاز والمنتجات النفطية بنسبة 204 في المئة في الشهر الماضي، بعدما كان الانتاج مُعطلا على مدى شهور، بسبب احتلال قوات تابعة للجنرال حفتر، بينها عناصر من شركة “فاغنر” الحقول والموانئ النفطية. ويُحيل ملف النفط والغاز على الموقفين الفرنسيي والايطالي من مسار السلام الليبي، كونهما تملكان أكبر مجموعتين نفطيتين تعملان في البلد، وهما “توتال” و”إيني”. ولوحظ أن باريس وروما تجاوزتا مناكفاتهما السابقة في شأن من المسؤول عن تدهور الأوضاع في ليبيا، وعادتا إلى التنسيق من خلال اجتماع لوزيري خارجيتهما خاص بالملف الليبي. كما نسق الطرفان مع مصر، التي لها القدرة للسيطرة على عقيلة صالح. وسيبقى الملف الليبي مفتوحا على جميع التداخلات الخارجية طالما لم يتم الاستفتاء على دستور، ومن ثم إجراء انتخابات عامة تأتي بسلطة قوية بشرعيتها المستمدة من صندوق الاقتراع.

تعليقات