مقر اجتماع لجنة العشرة العسكرية في مدينة سرت. (بوابة الوسط)

 

أظهرت مؤشرات جديدة في ليبيا إصرار القوى الكبرى على انتهاك التفاهمات العسكرية بين أعضاء لجنة «5+5» بعد نحو شهر ونصف الشهر من انقضاء مهلة الثلاثة أشهر المحددة لطرد القوات الأجنبية. وبينما اتهم «بنتاغون» في تقرير حديث روسيا والإمارات باستمرار التورط في الصراع المسلح بالبلاد عبر شركة «فاغنر»، تنتظر تركيا ضوءا أخضر من البرلمان لتمديد وجودها في ليبيا، في محاولة من الطرفين لتأمين مكاسب أخرى تضمن لهما البقاء. وعادت الملاسنات الأميركية الروسية حول تقويض جهود السلام في ليبيا، لتنذر بانهيار المسارات السياسية التي تعرف عراقيل بعد تفاهمات دولية أبعدت شبح المواجهات العسكرية خلال الأشهر الأخيرة.

هذه الملاسنات تأتي مخالفة لالتزامات مؤتمر برلين الذي انعقد في أوائل العام 2020، خصوصا بعدما اتهم وزير خارجية واشنطن مايك بومبيو مساء الثلاثاء موسكو بمواصلة انتهاك حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا، معتبرا أن «هدف الولايات المتحدة لا يزال إقناع الأطراف الليبية بالتوصل إلى حل سياسي من خلال مفاوضات برعاية الأمم المتحدة».

ويحذر مسؤولون أميركيون من محاولة الكرملين استخدام النزاع الليبي من أجل بناء حضور عسكري له على الحدود الجنوبية لأوروبا. وحسب خبراء، فقد رفعت وتيرة أنشطة روسيا عبر شركة «فاغنر» للمرتزقة لتحقيق أكثر من هدف، ونظرا لدورها المزعزع للاستقرار في أكثر من منطقة وصفتها وزارة الخارجية الأميركية بأنها «تابعة لوزارة الدفاع الروسية»، وفي المقابل توصل المفتش العام لعمليات مكافحة الإرهاب في بنتاغون» خلال الشهر الجاري إلى أن «الإمارات العربية المتحدة تمول هؤلاء المرتزقة في ليبيا».

وتعقد المعلومات الجديدة من التقدم الملموس في قضية الاتفاق بين اللجنة العسكرية المشتركة «5+5» التي تضم ممثلي قوات حكومة الوفاق والقيادة العامة، حيث توصلوا في 23 أكتوبر الماضي بجنيف وبرعاية أممية إلى تفاهمات تقضي بإخلاء جميع خطوط التماس من الوحدات العسكرية والمجموعات المسلحة بإعادتها لمعسكراتها بالتزامن مع خروج جميع المرتزقة والمقاتلين الأجانب من الأراضي الليبية برا وبحرا وجوا في مدة أقصاها ثلاثة أشهر من تاريخ التوقيع على وقف إطلاق النار.

20 ألف مقاتل
وقدرت الأمم المتحدة عدد المقاتلين الأجانب الذين ما زالوا موجودين في ليبيا بنحو 20 ألفا ومن بينهم مرتزقة سوريون أرسلتهم تركيا وآخرون من روسيا والسودان، حسبما أعلنت المنظمة الدولية في بداية الشهر الجاري.

وعلى الرغم من مرور أكثر من نصف المدة التي يفترض خلالها خروج المرتزقة، إلا أن اتهام «بنتاغون» أبوظبي بالمساعدة في تمويل «فاغنر» للتعهدات الأمنية للصراع الليبي يعقد من أي تقدم في عمل اللجنة العسكرية وفي المشاورات السياسية المتعثرة، حسب خبراء يشيرون إلى «استخدام الدولة الخليجية الشركة للتعتيم على دورها في النزاع، إذ يعد تقرير وزارة الدفاع الأميركية هو أول تقييم رسمي عن ترتيب الإمارات مع الشركة الروسية».

وفشل مجلس الشيوخ الأميركي في جلسة تصويت في 9 ديسمبر الجاري في منع بيع صفقة تقدر بأكثر من 23 مليار دولار لطائرات شبحية وطائرات دون طيار وأسلحة متطورة من طراز «إف 35» إلى أبوظبي، كما أن مشرعين أميركيين لم يخفوا قلقهم من استخدامها في ليبيا.

ويفسر مراقبون أسباب إخفاقهم في منع الصفقة لجهود مجموعة الضغط «اللوبي» التابعة للإمارات في واشنطن، فضلا عن دور أبوظبي في أهداف أخرى للسياسة الخارجية مثل استراتيجية أقصى ضغط التي تمارسها واشنطن ضد إيران واتفاقية التطبيع مع إسرائيل التي ينظر إليها دونالد ترامب على أنها نجاح نادر للسياسة الخارجية.

«فاغنر» في ليبيا
بدوره يعمل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وفق استراتيجية تراهن على حضور عسكري غير مباشر من خلال شركات عسكرية من القطاع الخاص، لذلك لا يتردد في نفي تقارير «بنتاغون».

وتنسب «فاغنر» إلى «طباخ بوتين» وهو رجل الأعمال الروسي يفغيني بريغوزين، وقد تقدم بطلب إلى محكمة الاتحاد الأوروبي لاستبعاده من قائمة العقوبات الأميركية والأوروبية للمفروضة عليه لوجود صلات مالية وغيرها تجمعه بالشركة الموجودة في ليبيا.
ويقول الاتحاد الأوروبي إن «فاغنر» «ارتكبت انتهاكات متعددة ومتكررة» لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا، وتعني العقوبات أن بريغوزين ممنوع من السفر إلى الاتحاد وتم تجميد أي أصول لديه كما يُمنع مواطنو وشركات الاتحاد الأوروبي من تزويده بالأموال.

وقدم بريغوزين هذا الأسبوع أدلة على علاقته بتدخل موسكو في ليبيا، حيث أشارت شركة «كونكورد» المملوكة له أنه سيدعم العميلين مكسيم شوقلي ومترجمه سمير سيفان، بنحو نصف مليون دولار بعدما أفرج عنهما في طرابلس يوم 10 ديسمبر الجاري عقب اعتقالهما في مايو 2019، وعادا إلى روسيا أخيرا.

وكانت حكومة الوفاق اعتقلت شوقلي وسيفان بتهمة التدخل بالانتخابات في البلاد، بينما كانا يعملان مع نجل سيف الإسلام القذافي، فيما جعلت روسيا الإفراج عن الرجلين شرطا لأي تحسن في العلاقات مع حكومة الوفاق الوطني.

يأتي ذلك وسط تجديد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مؤتمر صحفي مشترك في ختام مشاورات مع نظيره الإماراتي، عبدالله بن زايد آل نهيان، في موسكو، نفيه التمويل الإماراتي المزعوم لـ«فاغنر» في ليبيا، قائلا إن روسيا تريد استعادة مؤسسات الدولة في البلاد بالتعاون مع القاهـرة وأبو ظبي ودول الجوار.

وساطة روسية للحل السياسي
ودون التخلي عن التزامها العسكري تقدم موسكو نفسها كوسيط في مفاوضات السلام المتعثرة مع تردد أنباء عن خلافات بين تيارين متعارضين في طرابلس على هامش ملتقى الحوار السياسي، أحدهما يرفض تولي عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الحالي رئاسة المجلس الرئاسي المرتقب، داعيا لرفض أي حضور لمسؤولي شرق ليبيا في تشكيلة السلطة التنفيذية الجديدة، وآخر يدعم الخطوة مع ضرورة تولي وزير داخلية الوفاق فتحي باشاغا منصب رئيس الحكومة، وهذا التيار الأخير يحظى بترحيب روسي وفرنسي، علما بأن باشاغا تلقى دعوة رسمية من موسكو لزيارتها خلال يناير.

لكن هذا السيناريو ترفضه أنقرة التي تجهز لتمديد مهمة جنودها المنتشرين في ليبيا لمدة 18 شهرا إضافية، الأمر الذي يشوش على المفاوضات السياسية الجارية ويقوض عمل اللجنة العسكرية المشتركة.

وفي وقت سابق من العام الجاري أرسلت تركيا قوات إلى ليبيا لدعم حكومة الوفاق في حربها، ومع أن المعارك توقفت، إلا أن الرئيس طيب رجب إردوغان طلب من نوابه تجديد مهمة نشرهم قبل انتهاء القرار الحالي في 2 يناير 2021 بحجة أن السلام الدائم ووقف إطلاق النار وعملية الحوار السياسي في ليبيا «لها أهمية كبيرة لتركيا».
وفي تمويه لوجودها العسكري في ليبيا قالت أنقرة إن «المخاطر والتهديدات لا تزال قائمة من ليبيا إلى تركيا والمنطقة بأسرها. وفي حالة استئناف الجيش الوطني الليبي هجماته ستتأثر مصالح تركيا في كل من حوض البحر الأبيض المتوسط وشمال أفريقيا سلبًا».

ووفقًا للاقتراح المقرر مناقشته بالبرلمان في 18 ديسمبر الجاري، «ستواصل تركيا دعم ليبيا في مسائل التدريب والاستشارات أيما يتعلق باستخدام نظام الأسلحة والمعدات»، وهي الخطوة المرجح أن يتم تبنيها مع سيطرة حزب العدالة والتنمية الحاكم على البرلمان.

علما بأن القوات التركية توجد في قاعدتي الوطية الجوية ومصراتة البحرية كما يوجد مركز للتنسيق العسكري التركي-الليبي في طرابلس. وإلى الآن، تواصل وزارة الدفاع التركية الإشراف على تدريب قوات حكومة الوفاق مع توقيع اتفاقات جديدة آخرها مع قطر. ما يخالف نص المادة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار الذي أكد على «تجميد جميع الاتفاقات العسكرية المتعلقة بالتدريب داخل ليبيا وخروج أطقم التدريب الأجنبية حتى تتولى الحكومة الموحدة مهامها وتوجه الغرفة الأمنية التي سيتم تشكيلها بموجب هذه الاتفاقية لاقتراح وتنفيذ إجراءات أمنية خاصة وترتيبات لضمان أمن المناطق التي يتم إخلاؤها من الوحدات العسكرية والتشكيلات المسلحة».

وتزيد اعترافات حركة جيش تحرير السودان وقوات الدعم السريع السودانية مطلع ديسمبر الجاري من تعقيد المشهد بمواصلة إغراق ليبيا بمقاتلين و«مرتزقة» في خرق واضح للتعهدات الدولية، فقد كشف الناطق باسم قوات الدعم السريع، جمال جمعة في مؤتمر صحفي رصد تحركات مريبة على الحدود مع ليبيا بتاريخ 3 ديسمبر الجاري، وأسفرت عن ضبط 600 شخص كانوا في طريقهم إلى ليبيا للانضمام إلى الحركات المسلحة حسب جريدة «سودان تريبيون».

ويبقى التقيد بالجدول الزمني لرحيل المقاتلين القوات الأجنبية من ليبيا مرهونا بالتزام الأمم المتحدة بمراقبة ومتابعة نقاط الاتفاق خصوصا المتعلقة بخروجهم مع ضرورة إشراف قوات أوروبية وأفريقية على الخطوة، رغم أن أهم معوقات التنفيذ هي الأطراف الدولية الموجودة على الأرض والموالين لتركيا وروسيا تحديدا.

تعليقات