رشيد خشـانة – بات الإخوة الأعداء أكثر انفتاحا على الحوار وأقل ميلا إلى الاحتراب، الذي أنهك المعسكرين على مدى سبعة أعوام.

مع اقتراب نهاية الفسحة القانونية الممنوحة لرئيس الحكومة الليبي الجديد عبد الحميد دبيبة، تحضه أطراف عدة على الاسراع بعرض تشكيلته على البرلمان. ودعا رئيس مجلس النواب عقيلة صالح إلى جلسة رسمية للمجلس، الإثنين المقبل، في مدينة سرت (وسط) مُشترطا أن تتكفل لجنة التنسيق العسكري 5+5 بتأمين الاجتماع. وأوضح صالح أن الجلسة ستُعقد في مدينة طبرق (أقصى الشرق) وهو المقر المؤقت للبرلمان، في حال تعذر عقدها في سرت.
ويسبق هذه الجلسة التاريخية خلطٌ كبير لأوراق الملف الليبي، إذ بات الإخوة الأعداء أكثر انفتاحا على الحوار وأقل ميلا إلى الاحتراب، الذي أنهك المعسكرين على مدى سبعة أعوام.

المنفي – حفتر

في هذا السياق الجديد اجتمع الرئيس المنتخب للمجلس الرئاسي (مقره في الغرب) محمد المنفي مع القائد العسكري للمنطقة الشرقية الجنرال خليفة حفتر، كما اجتمع بشكل منفصل مع عقيلة صالح في بنغازي (شرق). ولم يكن ممكنا تصوُرُ مثل هذه الاجتماعات بين الرئيس السابق للمجلس الرئاسي فائز السراج وكل من صالح وحفتر.
والأرجح أن تلويح أمريكا بإنزال عقوبات بالأطراف الليبية والخارجية التي تعرقل تنفيذ خريطة الطريق، المُنبثقة من مؤتمر برلين، مطلع العام الماضي، شكل الدافع الأساسي لتخلي المعترضين عن تحفظاتهم. ولا يُخفي الأمريكيون رغبتهم بخروج المستشارين والمرتزقة الروس والأتراك من ليبيا نهائيا. وفي هذا الإطار سنت واشنطن «قانون استقرار ليبيا»، الذي أعدته اللجنة الفرعية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا والإرهاب الدولي، في الكونغرس الأمريكي، والذي رمى «لتعزيز الدبلوماسية ودعم الانتخابات ومعاقبة أولئك الذين يؤججون الصراع». وأتى القانون بحسب مصادر أمريكية، تأكيدا لاهتمام الكونغرس «بتحقيق الاستقرار في ليبيا وإحلال السلام لجميع الليبيين» على ما قال رئيس اللجنة الفرعية تاد دويتش، وهو ديمقراطي مؤيد لحكومة الوفاق الليبية.
إلا أن دويتش لم يفسر مضمون العقوبات، وإن كان مجرد التلويح بها أعطى نتائجه السريعة، بتليين مواقف زعماء كانوا ضد التحاور مع المعسكر المقابل، فضلا عن الوصول إلى اتفاقات معه. ويُركز الأمريكيون ضغوطهم على الفرقاء الليبيين، في الجانبين، على ضرورة السير نحو إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية حرة ونزيهة وشاملة وذات مصداقية، أواخر العام الجاري. وكان مفاجئا إعلان عقيلة صالح دعمه للسلطة الجديدة واحترامه لإرادة لجنة الحوار السياسي، بعد فوز قائمة المنفي في انتخابات جنيف لاختيار السلطات التنفيذية الجديدة. غير أن عقيلة توجس من تواصل نواب من المنطقة الشرقية مع السلطات في طرابلس ومصراتة، من دون العودة إليه. وهذا تحولٌ مهم في سلوك النخب السياسية في المنطقة الشرقية، الواقعة تحت نفوذ حفتر. وليس من المبالغة القول بأن الجنرال المتقاعد انهزم عسكريا، بعد فشل الهجوم الأخير على طرابلس، فيما مُني صالح بهزيمة سياسية مماثلة، نتيجة لارتباطه الوثيق بالجنرال.

تفاعلات داخلية وخارجية

والظاهر أنه بات يُخطط للانفصال عن حفتر بمشاركته في منتدى جينيف وتزعُمه إحدى القائمات المتنافسة. وفي الجانب الآخر ارتفعت أصوات تنتقد ما اعتبرته تدخلا من أعضاء المنتدى، الذين صوتوا لقائمة المنفي-دبيبة، في تشكيل الحكومة. واعتبر النائب عبد السلام نصِية أن تسمية أعضاء الحكومة، بات يتم عن طريقهم «في عملية ابتزاز لا يمكن السكوت عنها» طبقا لما كتب نصية في تدوينة على حسابه الرسمي على «فيسبوك».
هذا عن التفاعلات الداخلية لمسار تشكيل الحكومة الجديدة، أما اقليميا ودوليا، فلوحظ اهتمام شديد بالمساهمة في تشكيل المرحلة المقبلة، سواء من الأمريكيين، أم من القوى الإقليمية، في غياب شبه كامل للأوروبيين. وبدت مصر وفي درجة أقل المغرب، أكثر العرب حضورا في المشهد الليبي، وتأثيرا في مجرياته، إذ أن القاهرة كانت الوجهة الأولى لغالبية أعضاء الطاقم الجديد، المُنبثق من اجتماعات المنتدى الليبي في جنيف. والتقى عقيلة صالح أيضا وفداً مصرياً رفيع المستوى، في مدينة القبة، وناقش معه الاستعدادات الجارية لتشكيل الحكومة، بحسب بلاغ لمجلس النواب لم يُفصح عن أسماء أعضاء الوفد المصري.

تحركات بوريطة

ثم طار رئيس مجلس النواب إلى الرباط حيث أجرى محادثات مع وزير الخارجية ناصر بوريطة، المُكلف بالملف الليبي، وفي اليوم نفسه أجرى بوريطة اتصالا هاتفيا مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد دبيبة، جدد فيه التعبير عن الموقف المغربي المعروف من الحل السلمي للأزمة.
وأفيد أن المغاربة شجعوا صالح على تيسير العملية السياسية، كي تكون الحكومة الجديدة «عنصر توحيد للمؤسسات والرؤى في ليبيا، لا أن تكون مرحلة لتزكية الانقسامات والتجاذبات» على ما قال الوزير بوريطة، بعد محادثاته مع صالح. وأكد المغاربة لصالح أيضا حاجة الليبيين إلى حكومة «تحظى بتزكية من البرلمان الليبي، وممثلة لجميع الأقاليم والتوجهات، من أجل إدارة المرحلة الانتقالية».
بهذا المعنى ظلت بعض دول الجوار منشغلة بأزماتها الداخلية، وخاصة الجزائر، فيما استطاع المصريون والمغاربة امتلاك بعض مفاتيح الحل الليبي، ما ستكون له تداعياته في فترة التمهيد للانتخابات العامة وما بعدها. وحجز الأتراك أيضا مقعدا في قطار الحل السياسي الليبي، من خلال العلاقات الوثيقة بينهم وبين عبد الحميد دبيبة وأوساط المال والأعمال التركية في المنطقة الغربية، وخاصة مدينة مصراتة، التي ينحدر منها رئيس الحكومة الجديد.

حضور تجاري وعسكري

وتُعتبر تركيا حاليا من أقوى المؤثرين في الأزمة الليبية، ليس فقط لكونها باتت شريكا اقتصاديا رئيسا للبلد، وبحجم أكبر مما كانت عليه في عهد معمر القذافي، وإنما أيضا لحضورها العسكري القوي، الذي مازال يتعزز بالسلاح المتدفق من القواعد التركية إلى ليبيا، والذي لم يتوقف منذ عامين، فضلا عن وجود الخبراء والمستشارين العسكريين الأتراك في قواعد ليبية مختلفة في المنطقة الغربية.
وتشكل التجاذبات بين هذه الأطراف الإقليمية والدولية ضغوطا على الطاقم الجديد، وخاصة في اختيار أعضاء الحكومة. وكشفت عضو هيأة صياغة الدستور نادية عمران وجود مثل تلك الضغوط الخارجية «القوية» على الحكومة، والتي ظهرت تجلياتها في العدد الضخم من السير الذاتية التي أرسلها أصحابها إلى رئيس الحكومة المكلف، في حركة باتت تُشبه الترشيح للمشاركة في برنامج «ستار أكاديمي». وشكلت مراعاة المحاصصات عنصر تعطيل آخر لمسار تشكيل الحكومة، التي يُفضل كثيرون أن تكون مصغرة ومعتمدة أساسا على كفاءات من التكنوقراط. لكن الثابت أن دبيبة لن يكون طليقا في اختيار من يشاء لعضوية تلك الحكومة.

تعليقات