رشيد خشــانة – يبدو أن الدبيبة، المهندس المتخصص بالبناء، يعتزم تحويل ليبيا إلى ورشة إعمار كبيرة لاستئناف المشاريع المعطلة منذ عشر سنوات أو لإطلاق مشاريع جديدة.

سيقود الدبيبة الحكومة الجدبدة إلى حين إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقررة 14 كانون الأول/ديسمبر المقبل. لكن إجراءها في ذلك الميقات يبدو شديد الصعوبة بسبب الحاجة إلى مرجعية دستورية، وهو ما يقتضي إجراء استفتاء على مشروع الدستور الذي أعدته «لجنة الستين» وأشركت في صياغته تيارات وشخصيات مختلفة.
بالمقابل يبدو أن الدبيبة، المهندس المتخصص بالبناء، يعتزم تحويل ليبيا إلى ورشة إعمار كبيرة لاستئناف المشاريع المعطلة منذ عشر سنوات أو لإطلاق مشاريع جديدة. والدبيبة، المنحدر من مدينة مصراتة ثالث المدن الليبية، حاصل على شهادة الماجستير في التخطيط وتقنيات البناء من جامعة تورونتو الكندية. وبعد عودته إلى ليبيا شغل عدة مناصب من أهمها مدير المشروعات والدراسات في «جهاز تنمية المراكز الإدارية» الحكومي في فترة حكم معمر القذافي. ولم يبرز كشخصية عامة إلا لدى توليه رئاسة «نادي الاتحاد لكرة القدم» أحد النوادي الرياضية الرئيسة في ليبيا، بعد الثورة. لكن ولعه بكرة القدم لم يستمر طويلا.
وعلى الرغم من وجود أعضاء في الحكومة برزوا بعد انتفاضة 17 شباط /فبراير 2011 من بينهم وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش، التي عملت مع «المجلس الوطني الانتقالي» بعد الإطاحة بالقذافي، طغت على التشكيلة الحكومية أسماء وزراء وموظفين سامين في النظام السابق، من بينهم نائبا رئيس الحكومة حسين القطراني، وهو مرشح رئيس البرلمان عقيلة صالح لهذا المنصب، ورمضان أبو جناح. وقد تولى الأول حقيبة المالية والثاني حقيبة التعليم في وزارات القذافي. أما محمد الحويج الذي تسلم حقيبة الاقتصاد والتجارة فكان وزيرا للمالية في العهد السابق.
كما تولت وزيرة العدل حليمة البوسيفي مناصب مختلفة في الجهاز القضائي، في ظل النظام السابق، بينما كان وزير الداخلية الجديد، خالد مازن، أحد ضباط جهاز الأمن الداخلي. والوزيرة البوسيفي هي واحدة من خمس سيدات تسلمن حقائب في الوزارة الجديدة، إلى جانب وفاء الكيلاني، وزيرة الشؤون الاجتماعية ومبروكة عثمان أوكي، وزيرة الثقافة والتنمية المعرفية. ويُعتبر إسناد خمس وزارات لسيدات من بينها وزارتان سياديتان هما العدل والخارجية، علامة شجاعة في مجتمع محافظ مثل المجتمع الليبي. والبوسيفي هي أول امرأة عربية تتسلم وزارة العدل، أما نجلاء المنقوش وزيرة الخارجية الجديدة، فهي أول سيدة تتولى هذا المنصب، فهي حاصلة على درجة الدكتوراه في إدارة الصراع والسلم من جامعة «جورج مايسون» الأمريكية العريقة في فرجينيا، وهي من سكان بنغازي إلا أن أصولها من مصراتة. وسيتعين على الوزيرة الجديدة قيادة الدبلوماسية الليبية وسط الاستقطاب الشديد بين القوى الدولية الطامعة بثروات البلد.

عقدة وزارة الدفاع

أما وزارة الدفاع التي تتسم بحساسية كبيرة نتيجة تداخل عناصر عدة، من بينها الأجسام المسلحة الليبية، الخارجة عن سلطة الدولة، والمرتزقة الأجانب و»الجيش الوطني» في المنطقة الشرقية، الذي يدين بالولاء للجنرال المتقاعد خليفة حفتر (74 عاما) إضافة إلى نواة الجيش النظامي، التي أشرف رئيس الحكومة السابق فائز السراج على تدريب طلائعها الأولى، اعتبارا من السنة الماضية، فقرر الدبيبة الاحتفاظ بها لنفسه (مؤقتا؟). وسيكون من الصعب تحصيل توافق للأقاليم الثلاثة على مرشح موحد لهذا المنصب. وهذا ليس جديدا، ففي الجزائر احتفظ الرئيس بوتفليقة بوزارة الدفاع لنفسه إلى يوم الإطاحة به، واقتفى خطاه خلفه عبد المجيد تبون. وفي المغرب لا يوجد وزير للدفاع. وسيتعين على وزير الدفاع المقبل معالجة ملف القواعد الأجنبية في ليبيا، والتي أعلنت نائبة رئيس بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا سابقا، ستيفاني وليامز أن عددها يبلغ عشر قواعد في أنحاء مختلفة من البلد.

مشاريع معطلة

من هنا ستنطلق حكومة الدبيبة في تجربة مُساكنة تتعايش فيها عناصر النظام القديم مع النخب الصاعدة، وخاصة النسائية منها، ما يفترض تذويب الخلافات الأيديولوجية، أو إرجاءها، والتركيز على معاودة بناء ما هدمته الحرب الأهلية. وأفاد خبراء «القدس العربي» أن هناك عشرات المشاريع الاستراتيجية في قطاعات مختلفة، بعضها توقف تنفيذه إبان اندلاع انتفاضة 2011 وبعضها الآخر ما زال في مستوى الدراسات. وفي هذا الإطار أكدت هناء سالم عضو لجنة المراقبة بديوان المحاسبة أن المشاريع التي انطلقت قبل 2011 ثم توقفت، تحتاج اليوم إلى دراسة لمعرفة المسافة التي تم قطعها والمراحل المتبقية. ومن المشاريع الكبرى شبكة الطرقات الحديدية، بطول 3170 كيلومترا، من رأس جدير على الحدود المشتركة مع تونس إلى طبرق على الحدود مع مصر. ولم يتحقق من هذا المشروع، الذي سيتم ربطه بالشبكات الحديدية لدول الجوار، سوى 11 في المئة، قبل أن يتوقف العمل فيه في 2011.
إلى هذا المشروع هناك في قطاع النقل الجوي ثمانية مشاريع مطارات توقف تنفيذها أيضا، وسيتعين على حكومة الدبيبة الاشراف على استئناف إنجازها، في إطار «استراتيجيا النقل الشامل» التي ستعالج ظاهرة التدهور المستمر لخدمات النقل العام. واستطرادا ستجابه حكومة الدبيبة مسألة دقيقة تتعلق بدخول القطاع العام في شراكة مع القطاع الخاص، والتي باتت ممرا إجباريا، على ما يقول الخبراء، بالرغم من الاعتراضات والانتقادات. لذلك اشترط المهندس أحمد ابراهيم، وهو موظف سام في وزارة المواصلات، إثبات الجدوى من تلك المشاريع المشتركة قبل إطلاقها.
ومن المفروض أن تشمل مشاريع التنمية المستدامة في ليبيا القطاع الزراعي، إذ أن مساحة الأراضي القابلة للزراعة تُقدر بـ8.8 في المئة من التراب الليبي، لكن الخبراء يؤكدون أن البلد لم يُحقق الأمن الغذائي، بل لا توجد فيه منطقة واحدة ضمنت أمنها الغذائي. ويُعزى هذا الوضع لأسباب عدة من بينها عجز في الموارد المائية يُقدر بحوالي ملياري متر مكعب. أكثر من ذلك، لا يوفر قطاع الزراعة والصيد البحري سوى 2 في المئة من إيرادات ليبيا، ويُشغل 22 في المئة من العمال، فيما يُشغل قطاع النفط عددا أقل من العمال ويوفر 75 في المئة من إيرادات البلد.

غياب التقنيات العصرية

ومن القضايا الشائكة الأخرى التي كانت محورا من محاور «المؤتمر المغاربي الأول حول التنمية المستدامة» الذي أقامته في تونس كل من جامعة الزاوية الليبية وجامعة كوالالامبور الماليزية، الأسبوع الماضي، البطء في استخدام التقنيات الحديثة للزراعة وتناقص الخبرات الفنية، بالإضافة لتفتُت الملكية الزراعية. مع ذلك أكد عبد الفتاح الشيباني عضو هيئة أبحاث العلوم الطبيعية والتكنولوجيا بطرابلس، أن مردود الزراعة يمكن أن يزيد كثيرا في المساحات نفسها وبكميات الماء ذاتها، إذا ما استُخدمت الاسمدة والوسائل التقنية العصرية.

مشاريع كبرى

وبما أن مباشرة تنفيذ تلك المشاريع، واستكمال الأخرى المتوقفة، يحتاجان إلى اعتمادات ضخمة، فإن السؤال الذي يطرح نفسه يتعلق بمدى استقرار إيرادات النفط، التي تراجعت بشكل مهول، أيام الحملة العسكرية التي قادها الجنرال حفتر، للاستيلاء على طرابلس. وتجاوز حجم الإنتاج، بعد فشل الحملة وصمود اتفاق وقف إطلاق النار حاجز 1 مليون برميل في اليوم، ومن المتوقع أن يصل إلى 1.6 مليون برميل في الأمد المتوسط. ويخطط الليبيون لتنفيذ عشرة مشاريع في محافظات مختلفة في قطاع النفط، بالإضافة إلى إنشاء منظومة للطاقة الشمسية، سيتم تركيزها في المرحلة الأولى، في المؤسسات العمومية، وهذا تحوُلٌ مهم في ليبيا نحو الاستثمار في الطاقات البديلة.
والمحور الآخر الذي طلب المشاركون في «المؤتمر المغاربي الأول حول التنمية المستدامة» من حكومة الدبيبة الاشتغال عليه، هو العمل على وقف النزيف المتمثل بهجرة الكفاءات العلمية إلى الخارج. وأدى اضطراب حبل الأمن وغطرسة الميليشيات وتراجع الانتاج العلمي إلى خروج أعداد كبيرة من الطلاب، والشباب عموما، إلى دول الجوار أو أوروبا وأمريكا، بحثا عن مناخ أكاديمي أفضل وظروف عيش آمنة. وبسبب هذه الهجرة تراجعت مؤسسات البحث العلمي، إذ أفاد أسامة كشادة أحد المسؤولين في وزارة التعليم العالي، أن «الهيئة الليبية للبحث العلمي، التي يمولها الاتحاد الأوروبي، متوقفة حاليا عن العمل، كما توقف بالنتيجة إشراك الكفاءات الليبية في الخارج في مشاريعها البحثية.»
وأمام حكومة الدبيبة أيضا فرصة أخرى يمكن استثمارها بعدما بدأت الأوضاع الأمنية تستقر، وهي السياحة وخاصة منها السياحة الثقافية. وقال المهندس أسامة الخولي مدير عام الهيئة العامة للسياحة، في مؤتمر التنمية المستدامة، إن ليبيا كانت مرتبة في المركز السادس بين الوجهات السياحية في العام 2010 غير أن القطاع انهار بعد اندلاع الحرب الأهلية في 2014 فتراجع عدد الأسرة من 100 ألف سرير إلى 30 ألفا فقط. وحذر الخولي من أن المواقع الأثرية الخمسة المسجلة ضمن التراث العالمي مهددة بسحبها من السجل بسبب كثرة التعديات عليها.

تعليقات