56488338c36188224e8b4604

ذهبت تقارير إلى أن تجسس وكالات الاستخبارات الأمريكية على الزعماء الأوروبيين ومباحثاتهم السرية، وعلى نظيراتها من الأجهزة الأوروبية ليس من قبيل الممارسات العادية.

 لقد تصاعدت هذه الأزمة بشكل واسع النطاق لتتحول إلى فضيحة مدوية، بررها الساسة الأمريكيون بأنها من ضرورات الحفاظ على الأمن القومي الأمريكي ومصالح الولايات المتحدة في أنحاء العالم. وقد يكون التبرير الأمريكي بالفعل في محله، ويمتلك جانبا كبيرا من المنطق في ظل اعتبار الولايات المتحدة أن العالم كله منطقة مصالح لها. ولكن إذا دققنا النظر جيدا في نتائج وتداعيات هذه الممارسات، سواء كانت على الأعداء أو الأصدقاء أو الحلفاء، سنجد أن نتائجها كارثية بالفعل، لأنها ببساطة كانت تطبق على هواتف الزعماء، وعلى مباحثاتهم مع نظرائهم من الدول الأخرى، وعلى مباحثات تتعلق بأطراف متعددة وملفات كثيرة تخص دولا أوروبية ودولا أخرى.

إن حجم المعلومات الذي تحصل عليه الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية، سواء عن طريق التعاون أو عن طريق التجسس، يؤهلها لإدارة الصراعات بشكل قد يضر بالكثير من حلفائها قبل أعدائها وخصومها ومنافسيها. ولا يمكن أن نتجاهل القدرات الأمريكية الجبارة في جمع المعلومات وتحليلها والاستفادة منها. ولكن عادة ما يتردد السؤال المنطقي: لماذا لا تعلن عنها واشنطن لأصدقائها وحلفائها قبل وقوع الكوارث؟ ولماذا تقوم بتسريب معلومات بعد كل كارثة، بأنها تملك هذا الحجم أو ذاك من المعلومات المتعلقة بهذه الكارثة أو تلك؟

أحداث الهجوم على شارلي ايبدو
أحداث الهجوم على شارلي ايبدو

لقد وقعت أحداث باريس الأولى منذ عدة أشهر، وتوارت الكارثة على خلفية الكوارث الإقليمية والدولية المتلاحقة، ولم تعلن السلطات الفرنسية عن إجابات على تساؤلات ما زالت تتردد بشأن الحادثة الأولى. مع العلم بأن واشنطن تحكم قبضتها جيدا على أوروبا في عدد من المجالات، وعلى رأسها المجال الأمني. فهي دائما التي تؤكد للدول الأوروبية أن أمنها معرض للمخاطر والتهديدات، تارة من جانب روسيا، وأخرى من جانب إيران، وثالثة من جانب كوريا الشمالية. دائما ما تخترع واشنطن المخاطر والتهديدات والوحوش للإبقاء على أوروبا تحت قبضتها الأمنية.

بعض التقارير يرى أن ما حدث في فرنسا في الفترة الأخيرة، وما قد يحدث في دول أوروبية أخرى، هو أحد نتائج تجسس الاستخبارات الأمريكية على المؤسسات الأمنية والرئاسية في دول أوروبا، واستئثار واشنطن بكم هائل من المعلومات يؤهلها للهيمنة على تلك القارة التي لا تعرف بالضبط كيف يمكنها التصرف مع تلك القبضة الأمريكية الشديدة التي لا تتحكم فيها فقط، بل تطالبها دوما بزيادة ميزانيات الدفاع والأمن، سواء في إطار حلف الناتو أو خارجه، وذلك بطبيعة الحال من أجل مواجهة الأخطار المحدقة بها.

لا شك أن فرنسا لها مساحة نفوذها وتأثيرها. وظهر ذلك بقوة من خلال دورها في الإطاحة بمعمر القذافي. ولا يزال هذا الدور موجودا في ليبيا وحولها. وليس مصادفة أن تقدم باريس كل الخدمات الممكنة للحليف الأمريكي في كل من سوريا والعراق، مقابل أن ينتبه الحليف الأكبر لمصالحها في ليبيا، ورغبتها في الفوز بالقطعة الأكبر. ولكن يبدو أن الأخ الأكبرلا يبالي كثيرا برغبات وطموحات باريس. ما يعكس بشكل أو بآخر أن هناك صراع، أو في أحسن الأحوال منافسة، بين واشنطن وباريس على الكعكة الليبية.

وبالتالي، هل يمكن أن يتضاءل الآن أمل فرنسا في الفوز بليبيا بعد أن طالتها ضربات الإرهاب بقوة مثيرة للتساؤلات، وكشفت عن مواطن ضعفها الاستخباراتي والعسكري، وأطاحت بحججها حول أن الأخطار تأتيها من شمال أفريقيا ومن ليبيا بالذات؟

في هذا الصدد تحديدا، أعلن المتحدث باسم الإدارة الأمريكية عن احتمال مقتل قائد فرع تنظيم داعشالإرهابي في ليبيا أبو نبيل. ووفقا لأقواله فقد تم توجيه الضربات على مواقع المسلحين بالقرب من بلدة درنة. ويتم تقييم نتائجها، لكن احتمال مقتل أبو نبيل كبير جدا.

مقاتون في ليبيا
مقاتون في ليبيا

إن مسألة مقتل أبو نبيل أو أبو سفيان أو هذا أو ذاك، يمكن التعامل معها بالشكل الطبيعي الذي يدخل في إطارح الاحتمالات، أو حتى الحقائق. ولكن المتحدث باسم الإدارة الأمريكية أشار إلى أن الغارات الجوية الأمريكية وقعت في نفس الوقت الذي هزت فيه الهجمات الإرهابية باريس. واستدرك قائلا: “إلا أن ذلك لا يرتبط بها.. فالطائرات كانت في الجو عندما شهدت العاصمة الفرنسية مأساتها“.

معنى ذلك أن الولايات المتحدة، ورغم كل التعتيم المضروب على ما يجري من كوارث ومآسي في ليبيا، تعمل بنشاط، بصرف النظر عن الرغبات والطموحات الفرنسية. بل وتعمل أيضا في نفس الوقت الذي تتعرض فيه دولة حليفة وصديقة وعضو حلف الناتو لعدد من الضربات الإرهابية التي لا تشكل خطرا على فرنسا بالذات، بل تجعلها مصدرا للخطر على بقية الدول الأوروبية الأخرى.

تعليقات