تناول العدد العشرين من “مجلة “شؤون ليبية” التي تصدر في تونس وتُعنى بالدراسات حول ليبيا المعاصرة منذ ست سنوات، جملة من القضايا المتعلقة بالأبعاد الاستراتيجية للصراع الاقليمي والدولي الدائر على الأراضي الليبية بالوكالة.

وتطرق أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الليبية زاهي المغيربي إلى المهام المطروحة على حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، كما حددها التفويض الذي منحه لها ملتقى الحوار السياسي الليبي في تونس، وصولا إلى الانتخابات التشريعية والرئاسية يوم 24 ديسمبر 2021.

وتتلخص هذه الاستحقاقات والأولويات، بحسب المغيربي، في التالي:

*وضع السياسات واتخاذ القرارات التي تؤمِّن إجراء الانتخابات في موعدها المحدد

* وضع أسس المصالحة الوطنية الشاملة، وتحديد إجراءات تحقيقها.
* تكريس سيادة الدولة والعمل على خروج المرتزقة والقوات الأجنبية من أنحاء البلاد كافة.
* توحيد مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية والعسكرية والأمنية ومعالجة مشكلة التشكيلات المسلحة غير الرسمية.
* وضع سياسات فعالة لمواجهة جائحة “كورونا”، واتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية المواطنين والمقيمين من تداعياتها.
* تحريك عجلة الاقتصاد الوطني، وتوحيد السياسات الاقتصادية (التجارية والمالية والنقدية)، وحل مشاكل السيولة وسعر الصرف وفتح المقاصة بين جميع المصارف شرقا وجنوبا وغربا، ووضع السياسات اللازمة لضبط ارتفاع الأسعار وللحد من تنامي السوق الموازية.

في هذا الإطار نشرت المجلة مسودة مشروع الدستور، الذي يعتبر مقدمة حاسمة للانتخابات، لأنه يُوفر لها المرجعية الدستورية اللازمة. وكتب الباحث جلال حرشاوي مقالا عن حكام ليبيا الجدد يُعطي صورة عن مسار هؤلاء مع استشراف تطور الأوضاع في ظل التنافس الدولي على مناطق النفوذ في ليبيا. وفي هذا النسق تركزت ورقة رئيس تحرير المجلة الزميل رشيد خشانة على المخاطر الأمنية في الجنوب اللليبي، الزاخر بالمعادن الثمينة والثروات، مُعتبرا أن اضطراب حبل الأمن في تشاد ومنطقة الساحل عموما يُربك مسارات السلام في ليبيا.

وفي هذا الاتجاه سلط تقريران الأول أمريكي والثاني إسباني الضوء على دور الغرب في الصراع الليبي وعلى بعض الدروس المستفادة من مجريات الصراع الذي دام عقدا من الزمن وعرض ليبيا للدمار الكبير.

التقريران اللذان نشرتهما شبكة “أن بي سي” الإخبارية الأميركية، والمنشوران في هذا العدد بالعربية، أكدا أن إدارة الرئيس الأمريكي أوباما لم تستفد من مقولة الخبير المصرفي الأميركي السير جون تمبلتون “الأمر مختلف هذه المرة”، وهو ما أقر به لاحقا وزير الدفاع الأسبق روبرت غيتس، حينما قال إن العقيد الراحل القذافي لم يكن يشكل أي تهديد للولايات المتحدة، وأن عملية إسقاط نظامه ألحقت الضرر بالأمن القومي.

وتطرق التقرير إلى الوحشية التي تم من خلالها قتل العقيد القذافي ما أعاد ليبيا إلى الفساد والفئوية والحرب الداخلية، فيما تحولت البلاد إلى سوق للعبودية ونقطة عبور للمهاجرين غير الشرعيين، ومساحة للصراعات الإقليمية والدولية ليقر أوباما بأن الكارثة الليبية أكبر إخفاق له لفشل التخطيط لمرحلة ما بعد التدخل العسكري.

وفي التقرير الإسباني تم الحديث عن مشاركة إيطاليا ومن معها في حلف شمال الأطلسي “ناتو” في عملية هدم ليبيا، من خلال تسليح جماعات مسلحة متشددة مناوئة للدولة الليبية في عهد العقيد الراحل القذافي، مبينا أن البلاد في عام 2010 حافظ وفقا لإحصاءات البنك الدولي، على مستويات عالية من النمو الاقتصادي.

وأوضح التقرير أن نحو مليوني مهاجر جلهم من الأفارقة وجدوا عملا في ليبيا، التي حققت إجمالي ربح في الميزان التجاري بلغ 27 مليار دولار سنويا، لتستثمر نحو 150 مليارا في الخارج، هي بالأساس الاستثمارات الليبية في إفريقيا، فكانت عاملا حاسما لإنشاء 3 هيئات مالية في إطار خطة الاتحاد الإفريقي.

ووفقا للتقرير كانت هذه الهيئات: صندوق النقد الإفريقي ومقره مدينة ياوندي في الكامرون والبنك المركزي الإفريقي ومقره مدينة أبوجا في نيجيريا وبنك الاستثمار الإفريقي ومقره العاصمة طرابلس، مبينا أن هذه الهيئات كانت ستعمل على إنشاء سوق مشتركة وعملة إفريقية واحدة.

صناعة الخدمات الطبية

طرح البحث الذي قامت به بيتي رولان ومنير جراية ظهور الرعاية الصحية عبر الوطنية، من خلال دراسة تخص حالة المرضى الليبيين الذين يسعون للحصول على العلاج في صفاقس. ودرس الباحثان كيف أدى السياق الجيوسياسي المتطور إلى ظهور ملامح هجرة محددة (الشتات، والمسافر، والمرضى العابرون للحدود، وجرحى الحرب، والمرضى عبر الحدود) بين ليبيا وتونس. لكن نظرًا لنقص البيانات حول هذا الموضوع، قاما بتطوير دراسة حول التنقلات الصحية والتداول من منظور جنوب-جنوب. بناءً على دراسة استقصائية بين المرضى الليبيين (العدد = 205) في أربع عيادات خاصة وتسع مقابلات شبه منظمة مع المهنيين الصحيين في صفاقس. وحددا كيف شكلت أربع فترات جيوسياسية رئيسية السفر الطبي إلى هذه المدينة: (1) هي سهلت عمليات التبادل الأولية للمغتربين بموجب الاتفاقات الثنائية (2) بينت ملامح صناعة السياحة العلاجية، الناشئة ضمن الخدمات الصحية الخاصة، المترتبة عن الحظر الذي فرضته الأمم المتحدة على ليبيا (3) الأزمة السياسية عام 2011 ووصول جرحى الحرب (4) الدورات العلاجية ومساحات الرعاية الناشئة عبر الوطنية الناتجة عن سياق الحرب.

في الجملة تضمن العدد الجديد من “شؤون ليبية”، الذي تم طبعه بدعم من مؤسسة هانس زايدل الألمانية، سبع مقالات بالعربية وأربعة بالفرنسية وثلاثة بالانكليزية.

 

تعليقات