رئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة

 

رشيد خشانة – حفتر يريد أن يضمن بقاءه في موقعه الراهن، إذا ما أخفق في السباق الانتخابي. وفي هذه الحالة سيكون كرة حديدية في ساق السلطة المُنبثقة من صندوق الاقتراع.

قطع اللواء المتقاعد خليفة حفتر الشك باليقين، عندما فوض لرئيس أركانه عبد الرازق الناظوري مهام «القائد العام للجيش» لمدة ثلاثة أشهر، كي يتسنى للأول الترشُح للانتخابات الرئاسية، المقررة للرابع والعشرين من كانون الأول/ديسمبر المقبل. ولا يملك حفتر، الذي استمد شرعيته من برلمان مُنتهي الصلاحية وخاضع للسلاح، صلاحيات تسمح له بأن يُسمي ويعزل المسؤولين في المناصب الرئيسية في الدولة، فهذا اختصاص حصري للسلطة التشريعية. كما لا يحق له أن يُفوض «الصلاحيات» المُسندة إليه إلى شخص آخر.

من الواضح أن الضابط المُثير للجدل، بات يسعى اليوم إلى الصعود على سدة الرئاسة، بالوسائل السياسية، بعدما عجز عن غزو طرابلس عسكريا، ومن ثم إعلان نفسه حاكما عاما لليبيا، مثلما صرح بذلك في مناسبات عدة.

قانون على المقاس

لم يكن القانون يُجيز للعسكريين الترشُح للانتخابات، قبل أن يسن البرلمان، الذي يُديره عقيلة صالح، قانونا انتخابيا على مقاس حفتر، يخول له الترشح للرئاسيات. وألزم هذا القانون العسكريين الراغبين في الترشح بترك مهامهم العسكرية، قبل ثلاثة أشهر من يوم الاقتراع. غير أن حفتر يريد أن يضمن بقاءه في موقعه الراهن، إذا ما أخفق في السباق الانتخابي. وفي هذه الحالة سيكون كرة حديدية في ساق السلطة المُنبثقة من صندوق الاقتراع، وسيحافظ على انقسام المؤسسات الحالي بين الشرق والغرب.
لذلك أبدى 22 نائبا، في بيان خاص، استغرابهم من عدم إحالة مشروع قانون انتخاب رئيس الدولة على التصويت، وخاصة البند المتعلق بالسماح للعسكر بالترشح. ورد المجلس الأعلى للدولة على مجلس النواب بقانون موازٍ، داعيا إلى تأجيل سباق الرئاسة والاكتفاء بانتخاب نواب البرلمان.
وفيما انتقدت عناصر من النخب الليبية الطريقة التي تم بها سن القانون الانتخابي، في معزل عن أي حوار أو تشاور، أتى موقف المجتمع الدولي مائعا ومثيرا للاستغراب لقبوله بالقانون، وإن على مضض. وعزا مراقبون ذلك الموقف «لحسابات سياسية تستعجل مسألة اختيار رئيس ليبيا». وفي الوقت نفسه طالب 27 عضواً من أعضاء ملتقى الحوار السياسي الـ75 بعثة الأمم المتحدة للدعم، بعدم تبني ما وصفوه بـ»الحلول التلفيقية».
واللافت أن عقيلة صالح يبدو في طريقه إلى ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية هو الآخر، إذ قرر الدخول في إجازة، إلى أن يحل موعد الاستحقاق الانتخابي، واستطرادا سيتوقف عن ممارسة مهامه طيلة الأشهر الثلاثة المقبلة، التي تتزامن مع نهاية الولاية الحالية للبرلمان وانتخاب مجلس نواب جديد.
أما أنصار حفتر، الذين يُديرون حملة دعائية واسعة، فيعملون حاليا على إعطاء الانطباع بأن اللواء المتقاعد يُمثل المنطقة الشرقية. إلا أن ترشح صالح المُحتمل سيجعل الرأي العام في الشرق موزعا بين قطبين متنافسين.
كما سعى حفتر دوما إلى الإيهام بأن قبائل الشرق تدعمه، لكن مواقف المكونات القبلية هناك لا تؤكد ذلك. لا بل إن وفدا من الهيئة الوطنية لأعيان ومشايخ المنطقة الشرقية، برئاسة الشيخ إدريس يحيى البرعصي رئيس الهيئة، زار أخيرا رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، وعبر له عن دعمه للجهود التي تبذلها الحكومة في طريق المصالحة، و»ايجاد ميثاق وطني للصلح بين أبناء ليبيا».

العسكر والرئاسيات

ويُرجح مراقبون أن المنافس الرئيس لحفتر، بالاضافة لعقيلة صالح، سيكون سيف الاسلام نجل الزعيم الراحل معمر القذافي. والظاهر أن القوى الاجتماعية والسياسية المتضررة من انتفاضة 2011 ضد القذافي وأبنائه، هي التي تسعى إلى استعادة مقاليد الحكم من خلال صندوق الاقتراع. وقد انطلقت في إعداد العُدة لخوض الانتخابات، من خلال ترتيبات تنظيمية ومالية وسياسية، تُوحد رجال النظام السابق حول مرشح توافقي.
ومن ضمن عناصر الحملة الانتخابية المبكرة، إطلاق أنصار القذافي أخيرا قناة تليفزيونية تبث من تونس، يبدو أنها ستكون أداة مهمة في حملته الرئاسية. وسيستفيد سيف الاسلام من الافراج أخيرا على عدد من أركان النظام السابق، لكي يشاركوا في حملته الانتخابية بالمال والرجال.
غير أن تحقيق كل هذه الحسابات والخطط يعتمد على الموقف الدولي، الذي يعرف أن سيف الاسلام مطلوب إلى العدالتين الدولية والمحلية. لكن يبدو أن بعض القوى العظمى لا ترى من حل في ليبيا سوى بعودة نظام صارم على شاكلة نظام القذافي الأب.
والظاهر أن وجود منافسة بين مرشحين ينتميان إلى النظام القديم (حفتر وسيف الاسلام) سيُشتت الأصوات ويُقلل من فرص فوز أحدهما بالرئاسة.
وسعيا للتميُز، يُقدم أنصار النظام السابق سيف الاسلام على أنه يرمز لتيار ثالث بين جماعات الاسلام السياسي في المنطقة الغربية، المُتحالفة مع تركيا، ومؤيدي اللواء المتقاعد حفتر، المدعوم من الامارات ومصر وروسيا وفرنسا.
كما أطلق أنصار حفتر أيضا حملة انتخابية مكثفة، خارج الاطار القانوني المُنظم للدعاية الانتخابية، من ضمنها توزيع استبيانات لجمع معلومات عن المواطنين وأرقام مراكزهم الانتخابية لحضهم على التصويت لحفتر، ما يعتبر مخالفة صريحة للقوانين. والأخطر من ذلك، الخطاباتُ التي يُلقيها على الضباط والجنود في الثكنات التي توجد تحت سيطرته. والأرجح أنه مُصمم على الفوز في الانتخابات بفضل أصوات العسكريين، وقد حرص رئيس مجلس النواب على تضمين القانون الانتخابي حق العسكر في التصويت، من دون أن يُخضع القانون للتصويت.

من هو الشرعي؟

وكانت تلك المبادرة مثارا لأزمة بين مجلس النواب وحكومة الدبيبة. وحاول المجلس سحب الثقة من الحكومة، غير أن الأمم المتحدة أكدت أن «الشرعية مازالت مع حكومة الوحدة الوطنية». كما أن الدول الكبرى المؤثرة في الصراع الليبي جددت التمسك بتلك الحكومة المؤقتة إلى حين إجراء الانتخابات العامة في ميقاتها.
وحض وزراء خارجية كل من أمريكا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا، في أعقاب اجتماع مشترك بنيويورك، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، على إجراء الانتخابات في موعدها.
ويبدو من تصريحات الوزير الألماني هايكو ماس أن الأربعة اتفقوا، في خصوص الوضع الليبي، على ثلاث قضايا كبرى أولها ضرورة إجراء الانتخابات في ميقاتها، والثانية سحب المرتزقة من البلاد، والثالثة التمديد لولاية بعثة الأمم المتحدة في ليبيا. والأرجح أن الدبيبة أراد إخراج الجدل من بوتقة السياسيين والاستنجاد بالشارع في خلافه مع رئيس مجلس النواب، إذ دعا إلى المشاركة بكثافة في «التظاهرة» التي تمت في ميدان الشهداء بالعاصمة طرابلس، وخاطب خلالها تجمعا لمتظاهرين رافضين القانون الانتخابي، ومعارضين لإفساح المجال أمام العسكر للترشُح للانتخابات الرئاسية.
أكثر من ذلك، لوحظ أن الحكومة الوقتية، (التي لا يُسمح لرئيسها وأعضائها بالترشُح للانتخابات المقبلة) بدأت تستقطب بعض الدعم من الشارع، بعد استقرار الوضع العسكري وتحسُن حالة الأمن، وحل مشكلة الكهرباء، وإن جزئيا. وأكد الصحافي محمد الصريط لـ»القدس العربي» أنه لاحظ أثناء سفره على الطريق الساحلي الرابط بين مصراتة وسرت (200 كيلومتر) أن المظاهر العسكرية بدأت تختفي، وأن العسكريين في الحولجز والمفترقات على كامل الطريق، هم من التابعين إلى لجنة 5+5، بالاضافة لبعض العناصر من المخابرات. كما لاحظ أيضا أن هناك إشارات إلى مدافن الألغام لتفاديها.
وشكلت إعادة فتح الطريق الساحلي أخيرا إحدى علامات نهاية الحرب الأهلية، حتى أن البعض بات يقول إن الدبيبة استعاض عن خيام المآتم والعزاء بخيام الأعراس وحفلات الزفاف.
وفي إطار هذه السياسة أمر الدبيبة بإنشاء صندوق دعم الزواج، لكي يقوم بصرف مبالغ مهمة للشباب الراغبين بالزواج، بعدما كان يستحيل على غالبيتهم تأمين الكلفة اللازمة لعقد القران. وهي وسيلة عملية للتقليل من نسبة العنوسة المرتفعة في المجتمع الليبي. كما أمر بوضع 1.5 مليار دولار في «المصرف العقاري» الذي كان مٌهمشا في الماضي، لتيسير الحصول على قروض موجهة لشراء بيت أو شقة. وآخر إجراء اتخذه في هذا السياق تمثل في الترفيع من رواتب المعلمين اعتبارا من الشهر الجاري. واستند الترفيع على القانون الرقم 4 الصادر عن مجلس النواب في 2018.
وما ساعد على هذا «الكرم» أن ليبيا، التي تملك أكبر احتياطي نفطي في إفريقيا، استعادت مستوى الانتاج السابق، المُقدر بحوالي 1.2 مليون برميل في اليوم، منذ وقف إطلاق النار في تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
والظاهر أن المغرب، المُتابع عن قرب للملف الليبي، لم ييأس من تجسير الفجوة بين الإخوة الأعداء، وهو يسعى لجمع رئيسي مجلسي النواب والدولة، عقيلة صالح وخالد المشري، المعارض لانفراد البرلمان بإصدار قانون الانتخابات، في محاولة من الرباط لتقريب وجهات النظر بين المجلسين.
ومع أن الوضع في ليبيا عرف بعض الاستقرار والتحسُن النسبي، وسط صمود اتفاق وقف إطلاق النار، فإن البنك الدولي وضعها ضمن البلدان التي تعاني من أوضاع هشة متأثرة بالصراع، وقد صنفها البنك الدولي في خانة «الصراع عالي الشدة»،إلى جانب دول مثل أفغانستان وأفريقيا الوسطى والصومال وجنوب السودان وسوريا واليمن. كما أظهرت الاحصاءات أن من بين 7 ملايين ليبي، هناك قرابة 400 ألف نازح، زيادة على 1 مليون شخص يحتاجون إلى المساعدة. وتوفي أكثر من 2100 ليبي حتى الآن، بعد إصابتهم بـ»كوفيد19» في بلد يعاني نظامه الصحي من اختلالات بنيوية، وسكانه من انقطاعات الماء والكهرباء المديدة.
من هنا تأتي أهمية الاستحقاق الانتخابي المقبل، الذي سيضع البلد على سكة التنمية الشاملة والديمقراطية، إذا ما قبل جميع الفرقاء نتائج الاقتراع، أو يعود بالبلد إلى أجواء الحرب مجددا، إذا ما رفضت بعض الفئات الاحتكام إلى نتائج الصندوق. وهذا هو التحذير الذي حمله رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي إلى نيويورك، لدى مشاركته في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، إذ أكد للعالم أن البديل من القبول بنتائج انتخابات حرة وشفافة، هو «العودة إلى مربع الانقسام والصراع المسلح».

تعليقات