رشيد خشــانة – لم تُجانب السفارة الأمريكية الحقيقة حين اعتبرت، في تغريدة عبر حسابها على «تويتر» أن الاجتماع المشترك للجنة العسكرية «5+5» يُعدُّ خطوة تاريخية في التقريب بين الليبيين في المجال الأمني.

خلال اجتماع ثنائي بين الدبيبة والجنرال ستيفين تاونسند كان الموضوع الرئيسي هو «ملف إخراج المرتزقة ووجود قوات أجنبية بالجنوب الليبي» بحسب ما أفادت المصادر الأمريكية. ما الذي جعل واشنطن تقوم بهذه الاستدارة اللافتة والسريعة، بعدما كانت تتعاطى مع الملف الليبي، إلى وقت قريب، من خلال وكلاء ووسطاء؟
وشكل اجتماع اللجنة العسكرية المشتركة يوم 28 ايلول/سبتمبر 2021 في طرابلس، للمرة الأولى منذ تأسيسها في جنيف في صيف العام 2020 خطوة غير مسبوقة، عكست مدى الاهتمام الأمريكي المتزايد والمباشر بالمنطقة، مع تعاظم الحضور العسكري الروسي فيها، معطوفا على قرار فرنسا سحب قواتها العسكرية من عملية «برخان» مطلع العام المقبل.
ولم تُجانب السفارة الأمريكية الحقيقة حين اعتبرت، في تغريدة عبر حسابها على «تويتر» أن الاجتماع المشترك للجنة العسكرية «5+5» يُعدُّ «خطوة تاريخية» في التقريب بين الليبيين، لا سيما في المجال الأمني.
ويجوز القول إن الأمريكيين رفعوا العصا في وجوه المعرقلين للحل السياسي، إذ أكدوا لهم أن أمريكا «مازالت ملتزمة بتسهيل التنفيذ الكامل لاتفاق أكتوبر 2020 لوقف إطلاق النار، والانسحاب الشامل لجميع القوات الأجنبية والمقاتلين، فضلاً عن توحيد المؤسسات العسكرية الليبية» مع إشارة خاصة إلى ضرورة إخراج المرتزقة وإنهاء وجود أية قوات أجنبية في الجنوب الليبي.
وعبر القائم بأعمال المندوب الأمريكي الدائم لدى الأمم المتحدة ريتشارد ميلز، عن هذا الطلب بصراحة، بدعوته كلا من روسيا وتركيا والإمارات «إلى احترام السيادة الليبية والوقف الفوري لجميع التداخلات العسكرية في البلد». وخص بالذكر تركيا وروسيا، حاثا إياهما على الشروع فوراً في سحب قواتهما من البلد، واستبعاد المرتزقة الأجانب والوكلاء العسكريين.
ويستند هذا الموقف الأمريكي الصارم على تقارير تؤكد استعانة مالي بمجموعة «فاغنر» الروسية، بدعوى تعويض الفراغ الأمني الناجم عن انسحاب القوات الفرنسية. كما يستند أيضا على التنامي الكبير للأعمال الإرهابية في المنطقة، إذ قدر وزير خارجية جمهورية التوغو روبير دوساي، في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، عدد العمليات التي نفذتها جماعات إرهابية في الفترة من كانون الثاني/يناير 2020 إلى أيار/مايو 2021، بـ1547 عملية في غرب أفريقيا، أسفرت عن مقتل 4222 شخصا. ومن ثم باتت تلك البلدان، التي كانت بعيدة عن قوس الإرهاب، في قلب الصراع الدولي على النفوذ في المنطقة الممتدة من الساحل إلى غرب أفريقيا، وصولا إلى خليج غينيا.
وهذا هو فحوى الرسالة التي أبلغها أيضا رئيس بوركينا فاسو، روش كابوري، الذي عزا، في كلمته خلال الدورة الـ 76 للجمعية العامة للأمم المتحدة، «انهيار الأمن» في منطقة الحدود الثلاثية بين بلاده ومالي والنيجر، إلى «انهيار الدولة» في ليبيا منذ عشر سنوات، وتداول الأسلحة في الساحل بشكل واسع.
أما الطلب الذي يبدو أن رؤساء دول الساحل والصحراء متفقون عليه، لكن أمريكا ترفضه، هو تكوين قوة عسكرية مشتركة ووضعها تحت مظلة البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة (احتمال استخدام القوة) واستفادتها من تمويل مستمر، وهي الرؤية المدعومة فرنسيا، فيما ترفض الولايات المتحدة تكوين القوة العسكرية، كما تُعارض طلب إنشاء مكتب دعم تابع للأمم المتحدة مسؤول عن تزويد هذه الوحدة متعددة الجنسيات بالدعم اللوجستي والتكتيكي والاستراتيجي.

تمدُد «فاغنر» جنوبا
من ثُقب المخاطر الأمنية ولج الروس إلى منطقة الساحل، عبر الجنوب الليبي، ما استدعى خططا أمريكية لاحتواء هذا التمدد، من دون تكرار أخطاء الفرنسيين، الذين اختاروا، اعتبارا من 2013 التدخل المباشر.
وينطلق الأمريكيون، كما الأوروبيين، من قناعة راسخة مفادها أن ليبيا أصبحت نقطة الضعف لكل البلدان المحيطة بها، وهو ما أكده ماثياس هونكبي، مدير مكتب مالي لمبادرة المجتمع المفتوح في غرب إفريقيا. وتُعتبر مالي والنيجر وتشاد أكبر الدول التي عانت ومازالت من انخرام الأمن الاقليمي وتداعياته المُدمرة على أمنها الخاص.
وتتقاطع تلك التطورات مع تصريحات رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي، خالد المشري الذي أكد أن أعداد مرتزقة شركة «فاغنر» في ليبيا تضاعفت منذ بدء تنفيذ خارطة الطريق الحالية، على عكس ما تنص عليه الخارطة من إخراج للمرتزقة والقوات الأجنبية من البلد.
وتشير أخبار غير مؤكدة إلى أن حكومة مالي أجرت اتصالات مع الحكومة الروسية للبحث في احتمال الاستعانة بمقاتلي «فاغنر». إلا أن الروس كذبوا أن تكون جرت اتصالات بين الجانبين في هذا الشأن، وهو تكذيب مُتوقع.
على أساس هذه الخلفية صادق مجلس النواب الأمريكي أخيرا على «قانون دعم الاستقرار في ليبيا» وتعديلاته، المقدم من لجنة الشؤون الخارجية في المجلس، إذ صادق عليه 385 عضوًا في مقابل 35 صوتًا معارضا، وامتنع 12 عضوًا عن التصويت، بحسب بيان نشره المجلس عبر حسابه على تويتر. وأبرز ما في القانون، أنه يُمكن السلطات الأمريكية من ملاحقة الجهات المعرقلة لتحقيق الاستقرار في ليبيا.
وتأتي هذه الخطوة لتؤكد التركيز الواضح للإدارة الأمريكية على الأزمة الليبية، وآلية المساهمة في حلها، بدءاً من دعم جهود التسوية إلى دعم الانتخابات، والاستقرار الأمني والعسكري.
ولكي يصبح هذا القانون نافذاً يتعين أن يصادق عليه الرئيس الأمريكي، بعد موافقة مجلس الشيوخ في واشنطن. وشكلت تلك الخطوة دعما قويا لرئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة.
وجدد القانون فرض الحظر على توريد الأسلحة إلى ليبيا، إضافة إلى دعم سيادة البلد واستقلاله وسلامته الإقليمية ووحدته الوطنية.
ويتضمن مشروع القانون مجموعة من البنود أبرزها «إيجاد حل سلمي للصراع في ليبيا من خلال عملية سياسية كأفضل طريقة لتأمين مصالح الولايات المتحدة، وضمان ليبيا مستقرة وموحدة، والحد من خطر الإرهاب، وتوفير السلام والفرص للشعب الليبي».
كما يشمل القانون بنداً ينص على تعليق دخول الأشخاص، الذين يساهمون في تفاقم الوضع في ليبيا، إلى الولايات المتحدة، ومنعهم من التملك، وهو بند مصمم لاستهداف الأفراد أو الكيانات التي تهدد السلام والأمن والاستقرار في ليبيا. وحض القانون الأطراف الليبية على طرد القوات الأجنبية والمرتزقة الأجانب من البلد.
ومن أهم المواقف التي أتى بها هذا القانون تبني «الاتفاق السياسي الليبي»، الذي وصفه بند في القانون بـ»الإطار القابل للتطبيق للحل السياسي في ليبيا». وتضمن القانون أيضا في المادة نفسها، حضا لجميع الأطراف الليبية على استئناف العملية السياسية الشاملة «بملكية وقيادة ليبية تحت رعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا». وهو ذات الموقف الذي عبرت عنه المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل في أعقاب آخر اجتماع عقدته مع رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، في برلين، قبل مغادرتها المستشارية.

تحديات حقيقية

وسعيا لاستقطاب مزيد من الدعم الدولي السياسي والاقتصادي لـ»قانون دعم الاستقرار في ليبيا» أعلن المنفي أنه سيدعو إلى مؤتمر دولي، خلال الشهر الجاري، لحشد الدعم لاستقرار البلاد، محذرا من أنها تواجه «تحديات حقيقية» يمكن أن تقوض الانتخابات المقررة في كانون الأول/ديسمبر.
ويرمي المؤتمر بحسب المنفي، إلى ضمان دعم دولي «بصورة موحدة ومتسقة» واستعادة الشعور بأهمية القيادة والملكية الليبية في تحديد مستقبل البلاد.
ولم يشرح المنفي طبيعة «التحديات الحقيقية» التي قال إن ليبيا ستُواجهها، إلا أن فتحي بن شتوان، وزير النفط في عهد القذافي، أوضح جانبا منها، حين أكد أن إنتاج النفط ما زال أقل من المستوى الذي كان عليه قبل العام 2011 في حين زاد حجم الاستهلاك والطلبات. واعتبر بن شتوان أن ليبيا تعيش أزمة اقتصادية خانقة، بسبب انهيار منظومة الخدمات الأساسية وتدهور مستوى المعيشة بأكثر من خمسة أضعاف منذ 2010.
أكثر من ذلك، لا تملك ليبيا حاليا ما يكفي لحل مشاكل الكهرباء والمياه، أو تحسين مستوى المعيشة. وفي المقابل تُصر الحكومة على رفض إجراء أي تخفيض في مشروع الموازنة، بل تُجري زيادة فيها من 93 إلى 111 مليار دينار، بالرغم من مطالبة مجلس النواب المستمرة بتخفيضها، على مدار الأشهر الماضية، وتحذيره للحكومة من تداعيات موازنة بهذا الحجم على معدلات التضخم والقدرة الشرائية للدينار ورواتب المواطنين، وعلى الاقتصاد بشكل عام.
وعلى الرغم من أن حكومة الوحدة هي حكومة مؤقتة وأقرب إلى حكومة تصريف أعمال، قررت عقد مؤتمر نفطي دولي الشهر المقبل، تحت مُسمى «قمة ليبيا للطاقة والاقتصاد». وكانت فرنسا أول من أعلن عن دعمه القمة، على أمل أن تحصد شركاتها صفقات جديدة. ويُعتبر هذا القطاع الحساس عالما تلفه المضاربات والرشى والفساد. وكان لافتا في هذا السياق أن رئيس ديوان المحاسبة الليبي خالد شكشك طلب من وزير الاقتصاد في حكومة الوحدة الوطنية محمد الحويج سحب قرار منح الإذن بتنفيذ مشروع استثماري، للتنقيب عن الذهب والمعادن الثمينة، في سبها (جنوب) لمدة 50 سنة لصالح إحدى الشركات الفرنسية.
وحض شكشك الحويج على اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لسحب القرار وإزالة كافة أثاره، والتقيد بأحكام التشريعات النافذة بهذا الخصوص.

حملات سابقة لأوانها
في غضون ذلك انطلقت حملة انتخابية سابقة لأوانها، بالتوازي مع اقتراب استحقاق كانون الأول/ديسمبر المقبل، فبعد خليفة حفتر وسيف الإسلام القذافي وربما عقيلة صالح، بدت تنقلات وزير الداخلية الأسبق في حكومة الوفاق الوطني، فتحي باشاغا، ترسل مؤشرات على أنه عازم على خوض السباق الانتخابي مع هؤلاء.
واستقبل باشاغا المُنحدر من مدينة مصراتة، بمقر إقامته في العاصمة طرابلس، وفدا من أعيان وحكماء المنطقة الشرقية. وشرح في تغريدة له عبر تويتر، أنه ناقش مع الوفد العديد من القضايا أبرزها المصالحة الوطنية وإطلاق كافة المحتجزين ووحدة ليبيا وسيادتها، وتهيئة الظروف لإجراء الاستحقاق الانتخابي المقبل. والأرجح أن وطيس الحملة سيحمى في الأسابيع المقبلة، خاصة إذا ما تم حل الاشكالات القانونية والسياسية المتصلة بالعملية الانتخابية.

تعليقات