1237411157.jpeg

 

مع تأجيل الانتخابات الرئاسية في ليبيا بدأ يلوح في الأفق السياسي تقارب حثيث بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، أكبر طرفين سياسيين في البلاد كانا على خلاف طيلة سنوات، بهدف التوافق على خريطة طريق للمرحلة المقبلة، فما الجديد؟ وهل تقف ليبيا على عتبة مرحلة جديدة من مراحل الانتقال السياسي تبتعد معها آمال إجراء انتخابات قريبة؟

من جانبها، حملت تصريحات رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري لـ”الجزيرة”، أول من أمس الأربعاء، عدة تفاصيل حول التقارب الجديد والمفاجئ بين المجلسين، من بينها بدء ترتيبات للقائه برئيس مجلس النواب عقيلة صالح، منتصف الأسبوع المقبل، دون أن يحدد مكان اللقاء.

وفي هذا الشأن، رجحت مصادر ليبية خاصة تحدثت لـ”العربي الجديد”، اليوم الجمعة، إمكانية أن تحتضن العاصمة التركية، أنقرة، اللقاء المرتقب بين المشري وصالح.
ووفقاً لمعلومات المصادر، فإن اللقاء وإن تمكن رعاته من حشد موافقة مبدئية من عدة عواصم دولية معنية بالملف الليبي لدعمه، إلا أن عواصم غربية نشطة في الشأن الليبي رغبت في الاطلاع على تفاصيل أجندات اللقاء وما سينتج عنه.
ورغم ذلك أشارت المصادر إلى وجود إجماع على أهمية إحداث تقارب بين مجلسي الدولة والنواب كأفضل الحلول لتجاوز المسار المختنق الذي مرت به العملية الانتخابية، لا سيما العراقيل السياسية، لكن في الوقت ذاته توجد مخاوف حول إمكانية استغلال المجلسين للخطوة والعمل على البقاء في المشهد لمدد أخرى.
ولفت أحد المصادر، وهو دبلوماسي ليبي رفيع، في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أن المجتمع الدولي لا يمتلك حتى الآن رؤية واضحة بشأن مرحلة ما بعد 24 ديسمبر/كانون الأول، اليوم الذي كان يفترض فيه إجراء الانتخابات.

وأوضح المصدر أن الاتصالات الدورية التي تجري بين عواصم غربية تداولت أهمية دور مجلسي النواب والدولة في تجسير الهوة السياسية في ليبيا لتحديد مواعيد جديدة للانتخابات، لكنها ترغب في أن تكون المواعيد الجديدة قريبة الأجل حتى لا تخدم مصالح قادة المجلسين في البقاء في المشهد من خلال تمديد فترة المرحلة المقبلة تحت ذريعة معالجة الانسداد القانوني والسياسي الخاص بالانتخابات.
من جهة ثانية، رأى الدبلوماسي الليبي أن تأجيل المستشارة الأممية ستيفاني وليامز عقد أول لقاء لملتقى الحوار السياسي إلى موعد غير محدد بعد أن كان من المفترض إجراؤه الأحد الماضي، له علاقة بالجهود الحالية الرامية لجمع المجلسين على توافق جديد.
وبحسب الدبلوماسي، فإن وليامز، ومن ورائها عواصم غربية، لن تتخلى عن خيار إحياء ملتقى الحوار السياسي كآلية تعمل من خلالها البعثة الأممية على تجاوز المجلسين في حال وضوح مآربهما، كما فعلت في مرحلة سابقة انتهت إلى إنتاج خريطة الطريق والسلطة التنفيذية الحالية. ولا يبدو موقف مجلس النواب واضحاً من اللقاء المرتقب بين رئيسه عقيلة صالح والمشري، بل على العكس ذهب في طريق دعم عمل اللجنة النيابية التي شكلها لإعداد خريطة طريق لما بعد 24 ديسمبر.

المسار الدستوري وبعض المناصب السيادية أبرز ما سيتناوله اللقاء

وكان المشري قد كشف خلال لقاء أجرته معه قناة الجزيرة، أول من أمس الأربعاء، عن بعض أهداف اللقاء، موضحاً أنه سيتحدث مع صالح “عن المسار الدستوري وبعض المناصب السيادية”.
وحول ما إذا كان التقارب بين المجلسين سيستهدف إعادة تشكيل السلطة التنفيذية الحالية، قال “تغيير رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي مسألة تقديرية حسب المدد المتبقية والشكل القادم للمرحلة المقبلة”، مشيراً إلى أن “بعض الوزارات في الحكومة الحالية أصبح الأمر فيها لا يطاق”.

وأكد المشري أنه وصالح قررا إدارة ظهريهما للمجتمع الدولي والعمل بعيداً عن الأمم المتحدة، متهماً البعثة الأممية والمجتمع الدولي بإعاقة مساعي الليبيين لصناعة السلام في بلادهم.

خيار إزاحة المشري وصالح من المشهد السياسي

وتؤكد هذه التصريحات عمل أصحاب القرار في مجلسي الدولة والنواب على خلق عرقلة أمام تنفيذ رؤية دولية ترمي لإزاحة المجلسين من المشهد السياسي المقبل، بحسب قراءة الناشط السياسي الليبي عبد العاطي مريوة، الذي رأى أن تأكيد المشري على اتفاقه مع صالح على إدارة ظهريهما للمجتمع الدولي يؤكد وجود خيار استبعادهما من السلطة وسعيهما الحالي يأتي لعرقلة ذلك على الأقل.
لكن مريوة عبر عن مخاوفه في الوقت ذاته، خلال حديثه لـ”العربي الجديد”، من الصمت المطبق من جانب عقيلة صالح ومجلس النواب حيال لقائه المرتقب مع المشري، وقال “لقاءات الرجلين عادة ما تكون بحسب اشتراك مصالحهما، كما رأينا في السابق، والآن يسعيان للسيطرة على ورقة المسار الدستوري لهدفين”.
وأوضح أن “الهدف الأول هو عملهما على تصميم قاعدة دستورية على مقاس شخصيات تضمن لهما مصالحهما. أما الهدف الثاني فهو تحديد مواعيد بعيدة للانتخابات بهدف البقاء في السلطة أطول فترة ممكنة”.
ورجح الناشط السياسي الليبي أن يكون حديث المشري عن تضمن لقائه مع عقيلة مناقشة بعض المناصب السيادية هدفه تغيير رئيس المفوضية العليا للانتخابات الحالي، باعتبار رئاسة المفوضية من المناصب السيادية، كخطوة في طريق العرقلة.
لكن مريوة يرى أن التقارب بين الرجلين لا يزال في أوله وشكل المصالح المشتركة لم يتضح، معتبراً أن تصريحات المشري، التي تجعل مصير المجلس الرئاسي والحكومة في محل الترجيح، تؤكد أن مصالح المجلسين اتفقت لكن التفاصيل لا تزال قيد النقاش، وهو ما يفسر أيضاً صمت مجلس النواب حتى الآن عن حقيقة اللقاء المرتقب، بحسب رأيه.
وعن أوراق القوة التي يمتلكها المجلسان لفرض خيار لقائهما كحل محتمل للأزمة الانتخابية الحالية كواقع على المجتمع الدولي، قال مريوة إنهما “موجودان فعلياً على الأرض وأكبر الخصوم التي تمتلك أذرعا عسكرية”.
ولفت إلى أن “هناك مصالح أطراف إقليمية أيضاً يمكن أن تلتقي مع هذا الخيار وتدعمه”، مرجحاً أن “يكون من نتائج التقارب المصري التركي المتزايد”.
وفي مقابل ذلك، أكد أستاذ القانون الدستوري بالجامعات الليبية سليمان الرطيل أن هذا المسار يختلف عن رغبة أطراف دولية قوية في أن يكون موعد إجراء الانتخابات قريباً، وبالتالي ستصطدم أهدافه مع رغباته.
وأشار الرطيل، في حديثه لـ”العربي الجديد”، إلى أن الإبقاء على ملتقى الحوار السياسي في حالة استعداد للعودة يعكس خشية وحذراً دولياً، مبيناً أن “هناك أيضاً توزيعاً لعدد من الأوراق في المشهد الحالي لإفشال أي خطوة في اتجاه تأجيل الانتخابات لمدة أطول”.
ومن تلك الأوراق “رجوع رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة لرأس عمله، فهدف التأجيل تشكيل حكومة جديدة ليتموضع فيها من خسر الرهان على الانتخابات للوصول إلى السلطة”.
وأضاف “هناك ورقة المجلس الرئاسي الذي لا يزال يمتلك شرعية لا يتحكم فيها مجلسا النواب والدولة، ويمكنه أن يشكل بديلاً عن ملتقى الحوار السياسي في فرض أي خطة جديدة للانتخابات في آجال قصيرة إذا فشل الملتقى”.

تعليقات