رشيد خشــــانة – دعا صالح لتشكيل لجنة مؤلفة من ثلاثين عضواً بين مثقفين ومختصين في القانون الدستوري يمثلون الأقاليم الثلاثة، بمساندة خبرات محلية ودولية لصياغة دستور توافقي يلبي رغبات جميع الليبيين.

مضى رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، في المعركة التي فتحها مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة عبد الحميد الدبيبة. ويعتقد صالح ان الهياكل المنبثقة من ملتقى الحوار السياسي، الذي تم في جنيف وتونس العام 2020 أصبحت غير شرعية، لأن مهمتها انتهت في 24 كانون الأول/ديسمبر الماضي، مع إرجاء الانتخابات إلى تاريخ غير محدد. واقترح صالح تسمية رئيس حكومة جديد، غير أن قصر الفترة التي تحتاجها المفوضية، والتي تتراوح بين 6 إلى 8 أشهر، لمراجعة طلبات الترشح للانتخابات الرئاسية، وإنجاز عملية انتخابية صحيحة، تبدو غير واقعية.
وفي مؤشر جديد على تصدع اتفاق السلام الذي رعته بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، برز الخلاف العلني بين الحكومة المؤقتة ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح.
أكثر من ذلك، حرض صالح النائب العام على التحقيق في ما أنفقته حكومة الدبيبة في بندي التنمية والطوارئ والمناقلة من بند إلى بند آخر. والمُلاحظ أن موقف صالح أتى في بيان خاص ألقاه في المجلس، ولم يُشرك في صياغته زملاءه النواب. ومن الواضح أن الأمم المتحدة غبر مؤيدة لتشكيل حكومة جديدة، فقد صرحت وليامز، غداة لقاء مع رئيس مجلس الدولة خالد المشري، بأن ليبيا لا تحتاج إلى حكومة جديدة.
الأغرب من ذلك أن صالح دعا أيضا لتشكيل لجنة مؤلفة من ثلاثين عضواً بين مثقفين ومختصين في القانون الدستوري يمثلون الأقاليم الثلاثة، بمساندة خبرات محلية ودولية لصياغة دستور توافقي حديث، يلبي رغبات جميع الليبيين. واعتبر أن الأمر يتطلب الآن وضع خريطة طريق جديدة للانتخابات بالتعاون مع المفوضية العليا للانتخابات والقضاء.
وشكلت هذه الأسباب «القوة القاهرة» التي عرقلت إعلان القائمة النهائية، مثلما أكدت المفوضية، وترتب عليها عدم إجراء الانتخابات في موعدها. ولفت صالح إلى أن مفوضية الانتخابات عززت في بيانها تقارير أمنية عن وجود حالات تزوير في ملفات المرشحين، موضحاً أنه تم حرمان المفوضية من حقها في الدفاع عن قراراتها المتعلقة باستبعاد عدد من المترشحين.
وما زاد هذا الملف تعقيدا انفلات الوضع الأمني في البلدان المتاخمة للجنوب الليبي، وبعثرة الأوراق الفرنسية في منطقة غرب أفريقيا، وخاصة في بوركينا فاسو. وأتى الانقلاب العسكري الأخير في هذا البلد، في أعقاب انقلابين مماثلين في كل من مالي 2020 وغينيا 2021 ليؤكد إخفاق الحكومات المنتخبة ديمقراطيا في احتواء التنظيمات الإرهابية والحد من حركتها وقدرتها على الإيذاء.
وتذهب الباحثة ماريا ملاغاردي إلى حد القول إن تلك الجماعات المسلحة باتت تحظى بقدر من التعاطف من السكان المدنيين، وخاصة منهم القرويون، الذين سئموا اهتزاز الأمن والاستقرار في قراهم. وتجلى هذا الموقف في المسيرات التي أيدت استحواذ الجيش على كافة السلطات، ودانت فضائح الرشوة، وانتقدت عجز السلطات عن حماية البلد من هجمات الجماعات المسلحة. وفي الطرف المقابل، ظلت فرنسا تغوص في أوحال الاشتباكات مع تلك الجماعات، ما زعزع مكانتها لدى الرأي العام في مستعمراتها السابقة، في غرب أفريقيا، وأضعف دورها الإقليمي، بما في ذلك تأثيرها في مجريات الأزمة الليبية.
ورأى باحثون، من بينهم ريتشارد ويرلي، أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، سيُنهي ولايته الرئاسية في غضون أسابيع، بإخفاق كبير، وأن وعوده التي قطعها في خطاب مشهود، ألقاه في جامعة واغادوغو، العاصمة البوركينية، في تشرين الثاني/نوفمبر 2017 ذرتها الرياح الصحراوية. وهذا يعني استطرادا أن الجنوب الليبي لن ينعم بالاستقرار، خاصة مع تكاثف حركة الجماعات المسلحة وشبكات تهريب السلاح والمخدرات العابرة للحدود الدولية. ومع قرار فرنسا سحب قواتها المشاركة في عملية «برخان» في الربيع المقبل، ستشهد منطقة غرب أفريقيا انعطافا استراتيجيا. وسيتجسد هذا الإضعاف من خلال تراجع نفوذ فرنسا، التي حكمت دول المنطقة من وراء ستائر قصر الإيليزيه منذ مرحلة الاستقلالات الصورية في مطالع ستينات القرن الماضي. وكانت باريس أرسلت في العام 2013 على أيام الرئيس السابق فرانسوا أولاند، آلاف الجنود إلى مالي، لدعم النظام في مواجهة الجماعات الإرهابية، ثم وسعت العملية إلى دعم قوات «مجموعة الخمسة» وهي مالي وبوركينا وموريتانيا والنيجر وتشاد، وهي دول تستظل بالمظلة الأمنية الفرنسية.
الأخطر من ذلك بالنسبة لباريس وحلفائها الغربيين، أن الروس وبدرجة أقل الصينيين، هم من سيملأ الفراغ بعدهم. وقد اختار العسكر الانقلابيون في مالي استقدام عناصر من مجموعة «فاغنر» الأمنية الروسية، لأنهم لا يثقون بجيش بلدهم على الأرجح، ويخشون من انقلاب على الانقلاب. وتُقدر المصادر الفرنسية عدد الانقلابات التي نُفذت في القارة الأفريقية، بين 1958 و2018 بقرابة سبعين انقلابا. ولن تكون عملية دخول «فاغنر» إلى مالي صعبة، فعناصرها موجودة منذ 2020 في جمهورية أفريقيا الوسطى، حيث يُرجح أنها ارتكبت جرائم حرب، في إطار ما تدعيه من مكافحة للتنظيمات الإرهابية.
ويميل خبراء إلى توقُع أن تشمل عملية «معاودة التموقع» القوات الأوروبية، المشاركة في قوة «تاكوبا» بشكل يحدُ من الحضور العسكري الأوروبي في المنطقة. وتشارك 14 دولة أوروبية في هذه القوة التي قوامها 800 جندي، نصفهم فرنسيون. لكن بعد النكسات التي تعرضت لها القوات الفرنسية والتمدد الروسي في المنطقة، بدأت بعض الدول الأوروبية تخطط لسحب قواتها من المنطقة، وفي مقدمها السويد، التي ستُعيد 150 من القوات الخاصة إلى بلدهم. وكان مقررا أن تتولى القوات الفرنسية حماية القوة الأوروبية المشتركة في إطار عملية «برخان» لكن التوازنات بدأت تتغير سريعا، ودخلت علاقات فرنسا بدول أفريقيا فترة تقلبات لم تعرفها من قبل.

تعليقات