رشيد خشــانة – أكدت وزارة الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية، أن موكب الدبيبة تعرض لاعتداء مسلح، مشيرة إلى أن الحادث لم ينتج عنه أي أضرار بشرية. لكن دلالاته خطرة، خصوصا في الظرف الراهن.

اشتغل رئيس الحكومة المنتخب فتحي باشاغا على منصب رئاسة الوزراء منذ فترة بعيدة. ومن يتابع جولاته الداخلية والخارجية، منذ كان وزيرا للداخلية في حكومة فائز السراج، يُدرك أنه كان يقوم بحملة علاقات عامة لدى الدول المؤثرة في الملف الليبي. فقد زار باريس، وتحاور مع كبار مهندسي السياسة الخارجية الفرنسية، كما زار تركيا وروسيا والإمارات وقطر، وكان يُستقبل حيثما حل بوصفه إحدى الشخصيات المفتاحية في الملف الليبي. وعُرف عن باشاغا علاقاته المتينة مع تركيا، إذ أن سكان مصراته وقياداتها تحافظ منذ القديم، على علاقات متينة مع تركيا.
هذا عن العلاقات الخارجية، أما عن العلاقات مع الداخل، فيمكن القول إن باشاغا «صدم» رئيس الحكومة الأسبق السراج، عندما بادر بزيارة المنطقة الشرقية، واجتمع مع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح. وكان باشاغا أهم شخصية سياسية من الغرب تزور المنطقة الشرقية، بعدما وضعت «حرب طرابلس» أوزارها. من هنا أتت المفاجأة حين أخفق باشاغا في الفوز برئاسة الحكومة، في حوارات جنيف، التي رعتها الأمم المتحدة، والتي فاز بها الدبيبة. ويجوز القول إن باشاغا والدبيبة يستمدان ثقلهما الاجتماعي من الخزان نفسه، فهما من وجهاء مصراتة البارزين، تلك المدينة التي تمثل أهم ثقل عسكري واقتصادي وسياسي في المنطقة الغربية. أكثر من ذلك، يؤكد العارفون بالتوازنات الليبية أن باشاغا هو المسيطر الفعلي على الجماعات المسلحة في العاصمة طرابلس. وربما تم استهدافه لهذه الصفة عندما تعرض موكبه، وهو وزير للداخلية في حكومة السراج، لاعتداء مسلح، قد يكون محاولة لاغتياله. ولم يُكشف النقاب لاحقا عن هوية منفذي المحاولة.
ومن المؤشرات على أن باشاغا «يضبط» الوضع في العاصمة، تنقلُ آليات عسكرية إلى مطار معيتيقة، لاستقباله، وسيادة الهدوء في العاصمة طرابلس، بعد ظهور مخاوف من أن تكون تلك الآليات تابعة لأطراف غير مرحبة بتكليف باشاغا. وسرعان ما اتضح أن التحركات العسكرية أتت ترحيبا بوصول رئيس الوزراء المكلف إلى العاصمة.
بهذا المعنى فإن تثبيت باشاغا في منصبه الجديد، سيضع الاعتبارات الأمنية على رأس الأولويات، وهو أمر ينسجم مع هواجس الدول الكبرى، التي تفكر في احتواء الهجرة غير النظامية وتشجع على تجميع الأسلحة من الجماعات شبه العسكرية، بالإضافة لإدماج عناصر الميليشيات في قوات الأمن والجيش. وإذا كانت خريطة الطريق التي أعدتها الأمم المتحدة تُؤمن فعلا الإطار المُلائم لتنفيذ تلك الأهداف، فإن الخصومة بين الغريمين الدبيبة وباشاغا ستعرقل المضي في طريق تنفيذها. وهنا يُطرح السؤال التالي: هل تملك الأمم المتحدة القوة المادية والمعنوية لفرض الإبقاء على حكومة الدبيبة، بوصفها تستمد شرعيتها من حوارات جنيف؟
المؤكد أن الأمم المتحدة ليست بالقوة التي تبدو عليها من خلال بياناتها ومواقفها. والأرجح أنها ستكتفي بالدعوات للعودة إلى الوضع السابق، مع استمرار اعترافها بحكومة الدبيبة. ومن المؤكد أيضا أن الدول الكبرى هي من يملك وسائل الضغط لإعادة الوضع إلى ما كان عليه. غير أنها تبدو مشغولة بصراعات أكبر دوليا وإقليميا، وسط دقة الوضع العسكري في أوكرانيا، وتفاقم اهتزاز الاستقرار في منطقة الساحل والصحراء، مع توالي الانقلابات العسكرية، ومُضي باريس في تنفيذ قرار سحب قوة برخان.

عرضٌ مُغر

طغت المساومات على ما باحت به أسرار الاتصالات بين رئيسي الحكومة والبرلمان، قبل تسمية باشاغا رسميا على رأس الحكومة، إذ أن عقيلة صالح عرض على الدبيبة البقاء على رأس الحكومة، شريطة التعهد بعدم الترشُح للانتخابات المقبلة. وينطلق هذا العرض من القناعة بجدية فرص الدبيبة، للفوز في الانتخابات الرئاسية، فقد انتهج سياسة شعبوية، ترمي إلى ربط الجسور مع فئات اجتماعية، تجاهلتها الحكومات السابقة، من بينها تسهيل إجراءات الزواج للشبان، بمنحهم مبلغا ماليا، والزيادة في الرواتب وحل مشاكل الكهرباء والماء، بالإضافة لإطلاق مشاريع كبرى لتطوير البنية الأساسية. ومن آخر المشاريع التي أعلن الدبيبة عن إطلاقها، في إطار تحسين الأوضاع المعيشية لسكان طرابلس الكبرى، تنفيذ مشروع الطريق الدائري الثالث الذي يربط شرق العاصمة بغربها، ويبلغ طوله 25 كيلو مترًا، ضمن حزمة المشروعات التنموية التي دشنتها حكومة الدبيبة، قبل أسابيع ضمن خطة «عودة الحياة». وإجمالا أعلنت حكومة الدبيبة عن البدء بتنفيذ 732 مشروعا ضمن خطة «عودة الحياة».

الدستور ولجنة الستين

في معرض رفضه قرار مجلس النواب بتسمية باشاغا رئيسا للحكومة، يحاول عبد الحميد الدبيبة الخروج من طوق البرلمان ونقل المعركة إلى أرضية الدستور، من خلال إجراء استفتاء عام على المشروع الذي أعدته لجنة الستين المنتخبة من كافة مناطق ليبيا. وكانت «الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور» أعدت منذ 2017 مشروع دستور ليبي، لكنه حُفظ في الأدراج ولم يُبصر النور إلى اليوم. من هنا يطالب الدبيبة بتنظيم استفتاء ليقرر المواطنون مصير هذا المشروع رفضا أم قبولا. وسيُوفر الدستور إذا ما تم الاستفتاء عليه، المرجعية القانونية للانتخابات، إذ أن غياب المرجعية شكل أحد الموانع الرئيسة، التي حالت دون إجراء الانتخابات العامة في الرابع والعشرين من كانون الأول/ديسمبر الماضي.
وبعدما سادت الحيرة حول موقف الدبيبة من التطورات الأخيرة، أجاب على الأسئلة المتداولة في كلمة تلفزيونية ليل الخميس-الجمعة، مؤكدا أنه ما زال يمارس عمله وفقا للفترة الزمنية، المنصوص عليها في خريطة الطريق، والمعتمدة في ملتقى الحوار في تونس، العام الماضي. وأكد الدبيبة أن المجلس الرئاسي «هو من يحق له تغيير حكومة الوحدة الوطنية وفقًا لخريطة الطريق في جنيف» واصفا جلسة مجلس النواب بأنه «تعدٍ صريح على اختصاص المجلس الرئاسي» على ما قال.

محاولة اغتيال الدبيبة

وفيما لم تسجل محاولات اغتيال في ليبيا في السنوات الماضية، فوجئ الليبيون برئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، يُعلن الخميس عن تعرضه لمحاولة اغتيال، عندما كان في طريق العودة إلى بيته. ولم يُوجه الاتهام إلى جهة محددة، لكنه أوضح أن الهجوم على موكبه تم من سيارة كان يستقلها «مأجورون» في منطقة سوق الجمعة، وأن الجهات الأمنية المختصة تتولى التحقيق في الحادث. وكانت وزارة الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية، أكدت أن موكب الدبيبة تعرض فعلا لاعتداء مسلح من قبل أشخاص يستقلون سيارة من دون لوحات معدنية، مشيرة إلى أن الحادث لم ينتج عنه أي أضرار بشرية. لكن دلالاته خطرة، خصوصا في الظرف الراهن، حيث يعبر البلد مرحلة دقيقة من عدم الاستقرار الحكومي.
وقد توالت الحكومات على ليبيا منذ 17 شباط/فبراير 2011 لكن البلد ظل يغرق في الأزمات السياسية والاقتصادية. وارتفع عدد الحكومات إلى ست هي حكومة محمود جبريل (توفي) وعبد الرحيم الكيب (توفي) وعلي زيدان وفائز السراج وعبد الحميد الدبيبة وفتحي باشاغا، بالإضافة لحكومة منشقة مقرها في مدينة البيضاء (شرق) برئاسة عبد الله الثني (اندثرت) وثانية برسئاسة خليفة الغويل (منشقة). ويُرجح خبراء اقتصاديون أن يقود الصراع بين حكومة الدبيبة وحكومة باشاغا إلى اضطراب في إنتاج النفط، وهو المورد الرئيسي للبلد، بالإضافة لتعطيل المشاريع المُعتمدة، والمقرر تنفيذها في الفترة المقبلة. ويتفق الخبراء على أن الانتخابات الرئاسية، لو تمت في ميقاتها، لشكلت بداية للتعافي من الأزمة التي طال أمدها، ولساهمت في احتواء الجماعات المسلحة الأجنبية والمحلية.
في هذه الأجواء المشحونة، قد تؤدي المنافسة بين الحكومتين إلى زعزعة الاستقرار، الذي تحقق بصعوبة كبيرة، وبدفع قوي من الأمم المتحدة، التي رعت اجتماعات الصخيرات وجنيف وتونس وبوزنيقة، في إطار مسار برلين العام 2020. وبعد أكثر من سنة من استئناف مستوى تصدير النفط، والهدوء النسبي باتت هناك خشية من العودة إلى الانقسام، وتنازع حكومتين على إيرادات النفط والغاز. وحذرت تقارير عدة من أن يتسبب تعيين رئيس حكومة جديدة في انقسام ليبيا مرة أخرى، كما حدث في العام 2014 إلى حكومتين متوازيتين تتنافسان وتقاتلان بعضهما البعض، مع ما يُرافق ذلك من تداعيات كبيرة على سوق النفط المحلية.

تعليقات