رشيد خشــانة – تجاسر السفير الموفد الخاص إلى ليبيا ريتشارد نورلاند على تقديم خريطة مفصلة إلى الأطراف الليبية تخص المسارين الدستوري والانتخابي.

مع استمرار الخلافات السياسية بين الزعماء الليبيين في شأن الوثيقة الدستورية والمسار الانتخابي الذي سيُؤسس عليها، كثفت العواصم الغربية من اهتمامها بأوضاع الغاز والنفط الليبيين، في علاقة بتداعيات الحرب في أوكرانيا على قطاع الطاقة العالمي، والأوروبي بالخصوص.
ولوحظ أن رؤساء المجموعات النفطية الكبرى المُستثمرة في ليبيا أو المتعاملة معها زاروا طرابلس في الفترة الأخيرة وناقشوا مع رئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله وسائل تطوير التعاون بين الجانبين. وتم البحث في اجتماع بين صنع الله ووفد من شركة «توتال إنيرجيز» الفرنسية في آفاق الرفع من معدلات الإنتاج، وتنفيذ حزمة من العمليات المهمة، استعدادا للمساهمة في تطوير إنتاج الغاز في ليبيا واستئناف عمليات الاستكشاف في بعض المواقع، على ما جاء في بيان نشرته صفحة مؤسسة النفط على «فيسبوك» عقب الاجتماع.
ووعد الفرنسيون الجانب الليبي بمساهمة مجموعة «توتال» في إدخال تقنيات الطاقات المتجددة في مختلف العمليات بقطاع النفط الليبي.
واقتفى الإيطاليون خطى الفرنسيين إذ زار رئيس مجلس إدارة مجموعة «إيني» الإيطالية كلاوديو ديسكالزي طرابلس، للبحث في زيادة صادرات ليبيا من الغاز نحو إيطاليا، علما أن روما هي أحد الزبائن الرئيسيين للغاز الليبي الذي يُنقل حاليا بواسطة أنبوب عابر للبحر المتوسط.
وفي هذا الإطار أكد رئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله أن القطاع النفطي في ليبيا يواجه صعوبات وتحديات كبيرة بسبب قلة التمويل وشح الميزانيات، ما جعله عاجزا عن التوسُع وزيادة الإنتاج وصرف رواتب عماله وتنفيذ مشاريعه.
وتُعزى الصعوبات إلى عدم حصول المؤسسة على التمويل اللازم لتنفيذ مشروعين كبيرين يتمثل الأول في إنشاء مصفاة الجنوب للنفط والثاني في إقامة مصنع للغاز. ويتفق الخبراء على أن مشروع مصفاة الجنوب سيساهم في استقرار المنطقة وفتح فرص العمل للشباب، كما سيساهم في حل مُختنقات عدة بينها مختنق نقص الوقود بالجنوب، إضافة إلى تسريع دوران عجلة الاقتصاد المحلي في المنطقة. وكان مجلس وزراء حكومة الوحدة الوطنية قد أعطى الشهر الماضي موافقته للمؤسسة الوطنية للنفط على التعاقد لتنفيذ مشروع إنشاء مصفاة لتكرير النفط واستخلاص غاز الطهي من الغازات المحروقة، في حقل الشرارة النفطي جنوب غرب ليبيا، وذلك بقيمة تعادل 600 مليون يورو .
وكان ديوان المحاسبة قرر قبل الحصول على الضوء الأخضر من مجلس الوزراء، إيقاف كافة الإجراءات والقرارات الخاصة بتمويل مشروع إنشاء مصفاة الجنوب لمخالفتها القوانين. لكن المؤسسة الوطنية للنفط ردت على ذلك مُعتبرة أنه لا يجوز لديوان المحاسبة المطالبة بإيقاف مشاريع استراتيجية، تتعلق بتنمية منطقة تعاني من الحرمان والتهميش. وحضت المؤسسة الديوان على القيام بعمله «اعتمادا على الحياد وبهدف تحقيق الصالح العام».

مطلب أمريكي

وفي السياق حضت «مجموعة الأزمات الدولية» في تقرير مطول لها، البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على المحافظة على مستوى التعاون الحالي مع ليبيا. كما أفادت مصادر مطلعة أن واشنطن طلبت من الجزائر وليبيا زيادة حجم صادراتهما من الغاز نحو أوروبا، للمساهمة في التعويض عن الغاز الروسي.
وأكدت مصادر جزائرية أن الهدف الرئيس من زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن منذ أسبوع إلى الجزائر والمغرب، كان معرفة تداعيات الحرب في أوكرانيا على البلدان المغاربية. والأرجح أنه درس عدة فرضيات لحل أزمة الغاز في أوروبا، من ضمنها الاعتماد على الغاز الجزائري بديلا من الغاز الروسي، علما أن الجزائر تؤمن حاليا 10 في المئة من مستوردات أوروبا من الغاز. ويبدو هذا الموضوع دقيقا وحساسا بالنظر للعلاقات التاريخية بين روسيا والجزائر، إذ أن موسكو هي مصدر 69 في المئة من السلاح الجزائري. وكان من الواضح أن الجزائريين لا يرغبون بالظهور في موقع حليف أمريكا المناوئ لموسكو، وهو ما يفسر امتناع الجزائر من التصويت على اللائحة الأممية التي أدانت الغزو الروسي لأوكرانيا.
وفي إطار الحذر الشديد من الانزلاق في مضاعفات الأزمة الأوكرانية، ركز الجزائريون حوارهم مع الوزير بلينكن على الرغبة باستقطاب استثمارات أمريكية لتجديد البنية الأساسية المتقادمة لمنشآتهم النفطية. غير أن رئيس مجلس إدارة مجموعة «سوناتراك» النفطية الجزائرية توفيق حكار، أكد في تصريحات سابقة أن بلاده قادرة على ضخ كميات أكبر من الغاز إلى أوروبا عبر الأنبوب الحالي، الرابط بين الجزائر وإيطاليا عبر الأراضي التونسية.
وذهب الأمريكيون إلى أبعد من ذلك الطلب، مع تجاسر السفير الموفد الخاص إلى ليبيا ريتشارد نورلاند على تقديم خريطة مفصلة إلى الأطراف الليبية تخص المسارين الدستوري والانتخابي.
وعبر السفير عن مخاوف إدارته من احتمال لجوء جهات ليبية إلى استخدام ورقة النفط والغاز في الصراع السياسي الدائر حاليا بين حكومتين تسعى كل منهما إلى اعتراف داخلي ودولي بشرعيتها. وأكد المبعوث الأمريكي على ضرورة استفادة الليبيين من ارتفاع أسعار المحروقات لزيادة الإنتاج، مُحذرا من أن حال الاستقطاب السائدة حاليا في البلد تزيد من احتمال لجوء القوى السياسية المتنافسة للسيطرة على عائدات النفط.
مع ذلك تعتزم إيطاليا زيادة وارداتها من ليبيا لتكون بديلاً عن الغاز الروسي في أفق متوسط المدى، مع أن ليبيا لا تلبي للإيطاليين حاليا سوى احتياجات ضئيلة من الغاز لا تتجاوز 2.5 في المئة فقط من إجمالي الطلب اليومي، الذي يأتي معظمه من روسيا ثم الجزائر وقطر.
الأخطر من ذلك أن نورلاند كشف أيضا أن واشنطن اتفقت مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومصر على آلية لإدارة عائدات النفط، «إلى أن يجرى التوصل إلى اتفاق بشأن القضايا السياسية الأوسع» على ما قال. وتُشكل هذه المبادرة، إذا ما تمت، فرضا لوصاية مباشرة على الاقتصاد الليبي، الذي يقوم عاموده الفقري على العائدات النفطية والغازية، وحدا من قدرة الليبيين على إدارة ثرواتهم.
وبحسب نورلاند، فإن الآلية المقترحة ستقتصر على توزيع عائدات النفط على الرواتب والمساعدات والسلع المستوردة الرئيسة مثل الغذاء والدواء، واعدا بأن يجري ذلك «بشفافية ومساءلة كاملتين».

إعادة القطار إلى السكة

إلا أن بعض مراكز الأبحاث الغربية، ومنها «معهد واشنطن» رأت في التطورات الأخيرة على الساحة الإقليمية فرصة لإعادة قطار الحل الليبي إلى السكة.
واعتبر «معهد واشنطن» في تقرير جديد تحسُن العلاقات بين الإمارات وتركيا تحولًا مهمًا في ديناميكيات المنطقة، التي تؤثر في استقرار ليبيا، بما قد يقود الليبيين إلى توافق في الآراء لإجراء انتخابات جديدة، بناءً على أساس دستوري متفق عليه.
ولوحظ في المجال الإقليمي أيضا تقاربٌ مصري قطري في الملف الليبي، اعتبره المراقبون بادرة قد تترك آثاراً إيجابية في الأزمة السياسية الليبية، وتُغير ربما مجرى أحداثها، بعد دعوتهما إلى وقف التداخلات الأجنبية والالتزام بجدول زمني للمرحلة الانتقالية، وتفادي أي انقسام سياسي جديد، من شأنه أن يؤدي إلى عمل عسكري في البلد.
ومن المهم أن هذين الموقفين جاءا على لساني وزير الخارجية المصري سامح شكري ونظيره القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني خلال مؤتمر صحافي مشترك عقد في ختام محادثاتهما بمقر وزارة الخارجية بالقاهرة.

باشاغا المُعتدل؟

في مسار مُواز اعتُبر الخط الذي اتبعه باشاغا مُطمئنا، بعدما تعهد بألا يدخل طرابلس بالقوة، وإنما سيلجأ إلى الأدوات السياسية والدبلوماسية لعزل حكومة الدبيبة، بحسب ما نقل عنه عضو ملتقى الحوار السياسي أحمد الشركسي. وقدم كل من الدبيبة وباشاغا تطمينات بشأن حرصهما على عدم التصعيد، والبعد عن الصدام، ما يدل على أن اتفاق وقف إطلاق النار، الذي توصل له الطرفان المتحاربان، في اكتوبر 2020 ما يزال صامداً وبإشراف 60 مراقبا دوليا.
في هذا السياق يُعتبر الجدول الزمني الجديد موعدًا وسطًا بين مقترح رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة بـ4 أشهر، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح بـ14 شهرًا. ويعتقد كثير من الليبيين أن إجراء الانتخابات خلال العام الجاري ما زال ممكنا لتجديد الشرعية.
غير أن رئيس حكومة الوحدة الوطنية الدبيبة أصدر الاثنين الماضي قرارا غير مفهوم يقضي بتشكيل لجنة مؤلفة من عشرين شخصا من الخبراء وأساتذة القانون لاستلام مسودة قانون الانتخابات، والتواصل مع المفوضية العليا ومكونات الشعب والخبراء والشخصيات الاعتبارية، من أجل نشر التوعية بأهمية إجراء العملية الانتخابية عبر تنظيم الندوات وورش العمل. ولم يُعرف إذا ما كانت هذه اللجنة قانونية أم لا بالرغم من طابعها الاستشاري، فهل هي نواة حزب سياسي سيدعم رئيس الحكومة الحالي أثناء الانتخابات، أم هي مجلس استشاري لا يتخذ قرارات، لكنه يُساعد رئيس الحكومة؟
وبحسب كاتب تقرير «معهد واشنطن» بين فيشمان، وهو مدير سابق لشؤون شمال أفريقيا في «مجلس الأمن القومي» الأمريكي، هناك أربعة أسباب رئيسية وراء استمرار الأزمة في ليبيا، وهي تلاعب الطبقة الجديدة من النخبة بثروة البلاد، ثم انتشار الجماعات المسلحة وعدم القدرة على إجراء إصلاحات مفيدة في القطاع الأمني خلال العقد الماضي، بالإضافة إلى التدخل السياسي والعسكري السافر في شؤون ليبيا من الجهات الخارجية، بما في ذلك استمرار انتشار آلاف القوات الأجنبية والمرتزقة ضمن حدودها، وأخيرًا عجز الليبيين أنفسهم عن التوصل إلى حل وسط بشأن مسارٍ جديد للمرحلة المقبلة.
وقبل أن ينتقل إلى المسارات المتوقعة، عرج التقرير على إرجاء الانتخابات التي كانت مقررة في كانون الأول/ديسمبر 2021 إلى أجلٍ غير محدد، وما تبعه من تعيين رئيس حكومة منافس (فتحي باشاغا) في 10 شباط/فبراير، الأمر الذي يهدد بتقسيم البلاد مرة أخرى، أو إشعال فتيل جولة جديدة من أعمال العنف.
وبالرغم من عناصر الإحباط الكثيرة ما زال هناك بصيص من الأمل لدى الليبيين بإجراء محادثات مشتركة بين اللجنتين، بهدف صياغة قاعدة دستورية توافقية، وإقرارها كي تُجرى على أساسها انتخابات عامة في البلاد. ولابد ههنا من الخروج بقاعدة دستورية متفق عليها من أجل المضي نحو الانتخابات، بالتعاون مع المفوضية الوطنية العليا للانتخابات ومكتب السجل المدني. على أن هذا التعديل الدستوري يجب أن يكون قراراً ليبياً خالصاً، لا تأثير للعناصر الخارجية في مضامينه.
ومن المؤشرات المشجعة التقدم المُسجل في إعادة توحيد مصرف ليبيا المركزي، إذ حضر حاكم المصرف الصديق الكبير ونائبه علي الحبري، اجتماع اللجنة التسييرية الثاني في إطار مشروع إعادة توحيد المصرف المركزي، المُوزع حاليا بين العاصمة غربا وبنغازي شرقا. وأظهرت مداولات الاجتماع أن الجهود كانت مشتركة وأن روح الفريق هي التي سادت خلال هذا العمل، خصوصا في تنفيذ الخطة المشتركة لتوصيل سيولة قدرها مليار دينار ليبي إلى المنطقة الشرقية، بالتعاون بين إدارة الإصدار بطرابلس والإصدار ببنغازي، بُغية توزيعها على فروع المصارف التجارية، على نحو يُخفف من أزمة السيولة في المصارف، لاسيما مع حلول شهر رمضان.

تعليقات