يبدو أن الملف الليبي يستعد لتطورات جديدة، متأثراً بمستجدات الصراعات الدولية الكبرى. يبدأ هذا الاستعداد بإفساح المجال أمام لاعب إقليمي فاعل في هذا الملف، ممثلاً في تركيا التي بدأ دورها يتصاعد وسط الخلافات والصراعات الدولية.

أول ملامح هذا التوجه تجميد الدور الأممي بعد فشل كل محاولات المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة ستيفاني وليامز، لصنع مقاربات جديدة لحل الأزمة الليبية، بناء على اتفاق جنيف، ومغادرتها لمنصبها.

تظهر ملامح الإفساح لدور تركي أيضاً في التراجع الواضح لمواقف الدول الإقليمية والدولية الفاعلة في الملف الليبي. فلا تصريحات ولا مبادرات جديدة على خلفية الجمود والانسداد الحاد الذي يعيشه الوضع الليبي. ووسط كل هذا تنشط أنقرة مجدداً في اتجاه فتح آفاق صوب معسكر شرق ليبيا، الذي طالما وصف قادته تدخلها بـ”الغزو”.

صحيح أن أنقرة استقبلت نواباً مقربين من رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ومن اللواء المتقاعد خليفة حفتر في السابق، لكن دعوتها لصالح، واجتماعه مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حصلا هذه المرة في ظل متغيرات وشد وجذب دولي كبيرين. وأبسط الأسئلة التي قد تثار حول هذه الدعوة، ما دلالاتها في هذا التوقيت الحساس؟

من الممكن قراءة اتجاه صالح لربط علاقة جديدة مع تركيا بخلفيات تغير مواقف حلفائه في الخليج، وتحديداً السعودية والإمارات، من الجانب التركي.

ويمكن أيضاً قراءته بأنه جاء بدفع مصري، خصوصاً أن وسائل إعلام مقربة من صالح كشفت عن زيارة غير معلنة أجراها للقاهرة إثر عودته من أنقرة. لكن هذه الخلفيات والدوافع لا يمكن أن تكون وحدها وراء دعوة تركيا لصالح، ولا قبول الأخير لها.

يبدو أن الجواب على ذلك يتجلى في جانبين. الأول، فشل مبادرات ومساعي كل الفاعلين الإقليميين والدوليين، بل والأمم المتحدة، في اختراق جدار الانسداد السياسي الليبي، وجاء الدور لإفساح المجال أمام تركيا، التي ترتبط بعلاقات جيدة مع قادة طرابلس، لكن عليها رفع مستوى العلاقة مع الشرق الليبي.

والثاني، متعلق بالمتغيرات الدولية. فتركيا، النقيض العسكري للوجود الروسي في ليبيا، يمكن أن تؤدي دوراً محورياً ضد الوجود الروسي في الملف الليبي والمنطقة بالتنسيق مع الأميركيين والأوروبيين، خصوصاً مع تعاظم دور أنقرة الإقليمي في المنطقة.

تركيا لن تقبل بدور مرجح في ليبيا من دون مقابل. فعلاوة على مصالحها الكبيرة في البلد، يبقى تنفيذ الاتفاق التركي الليبي، الموقع في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، خصوصاً في الشق الاقتصادي المتعلق بمنابع الغاز في شرق المتوسط، رهن موافقة مجلس النواب وحليفه حفتر.

لكن تبقى الأسئلة كبيرة بشأن الدور التركي، وقدرته على إدارة الصراع بين الأطراف في ليبيا، خصوصاً حل الخلاف الحكومي، وكذلك حفظ مصالح جميع الفاعلين الإقليميين والدوليين. وأكثر من ذلك، مدى قدرة تركيا على تحقيق الهدف الأميركي ــ الأوروبي بشأن تحجيم التغول الروسي في المنطقة، من دون تحول ليبيا إلى ساحة مواجهة دولية جديدة.

تعليقات