صورة مركبة للعقيد معمر القذافي والرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش خلال تفقده معدات البرنامج النووي الليبي التي سلمها القذافي للولايات المتحدة في 19 ديسمبر 2003. (الإنترنت).


قدم رئيس قسم المخابرات العسكرية بـ«الموساد» سابقا، أمنون صفرين، للمرة الأولى في شهادة له ملابسات اكتشافهم ما أسماه «المشروع النووي الليبي» الذي جرى إخفاؤه في مدرسة ومزرعة ريفية، والذي كان في مرحلة متقدمة جدا ويقف وراءه أبوالقنبلة النووية الباكستانية عبدالقدير خان.

معلومات إسرائيلية جديدة سردها صفرين بمناسبة مرور الذكرى الـ15 لتدمير تل أبيب ما زعم أنه مقر المفاعل النووي السوري بدير الزور، بعدما اكتشفته فجأة. وبدأ صفرين في تقديم مسيرته المهنية خطوة بخطوة في الاستخبارات العسكرية ثم التحاقه بوكالة التجسس التابعة للموساد، وفق ما صرح لجريدة «ذا تايمز أوف إسرائيل» الصهيونية يوم 9 أكتوبر الجاري.

تتبع البنية التحتية لـ«النووي الليبي»
وعاد إلى تاريخ إعلان البريطانيين والأميركيين في ديسمبر 2003 أنهم تمكنوا بعد عدة أشهر من المفاوضات من إقناع العقيد معمر القذافي بالتخلي عن خططه للأسلحة النووية مقابل رفع العقوبات، وزعم رئيس الموساد الأسبق متسائلا «أتأمل هذه الحادثة وأسأل نفسي: هل علمنا بها؟ لقد أدركنا أن هناك نوعا من البنية التحتية في ليبيا، لكننا كنا بعيدين جدا عن فهم الموقف ومدى قرب القذافي من السلاح النووي.. لقد أدركنا جميعا أن إسرائيل مستبعدة من العملية، وهذا يتطلب منا التوصل إلى نتائج فورية».

ومما ساقه المسؤول العسكري الإسرائيلي أن المشروع النووي في ليبيا «اتضح أنه كان في مرحلة متقدمة جدا وأن الشخص الذي كان يقف وراء المشروع هو عبدالقادر خان، وهو عالم فيزياء باكستاني باع خبرته النووية لكل من يرغب، وكان علم أن دولتين على الأقل اشتريتا خدمات خان هما إيران وليبيا».

وفي ديسمبر العام 2003، قررت ليبيا التخلي عن برامج تطوير أسلحة الدمار الشامل، نتيجة مفاوضات سرية بشأن ملف البرنامج النووي الليبي جرت على مدى تسعة أشهر بين طرابلس وكل من واشنطن ولندن، وفق سيف الإسلام نجل العقيد معمر القذافي. وحينها، قال سيف الإسلام القذافي لقناة «الجزيرة» إن «القرار سيجنب ليبيا أي تهديدات غربية وأميركية على وجه الخصوص، مشيرا إلى أن ليبيا كانت تملك برنامجا نوويا فعالا، غير أنه نفى امتلاكها أسلحة دمار شامل.

ودافع القذافي عن موقف بلاده من التخلي عن برامجها في مجال أسلحة الدمار الشامل طواعية. وأضاف في بيان وزعته وكالة الأنباء الليبية الرسمية أن ليبيا ستتخلى عن جميع المواد والمعدات التي لها علاقة ببرامج تلك الأسلحة وأنها ستلتزم بمعاهدات الحد من انتشار الأسلحة وتسمح بعمليات التفتيش من قبل الوكالات الدولية.

وفور إعلان القرار في العام 2003، رحب الرئيس الأميركي السابق جورج بوش به، معتبرا أنه وضع ليبيا على طريق العودة إلى المجتمع الدولي. فيما قال رئيس الوزراء البريطاني (وقتذاك) توني بلير إن القذافي تعهد بالتعاون التام وبشفافية مع المؤسسات الدولية التي ستبحث في أسلحة الدمار الشامل الليبية. وقال إن طرابلس أعربت عن رغبتها في التعاون لإيجاد حل لقضية أسلحة الدمار الشامل بنفس طريقة حل قضية لوكيربي.

عائلة تينر السويسرية والمشروع الليبي
وزعم المسؤول الاستخباراتي الصهيوني أن ما وصفه بـ«إخفاء» المشروع الليبي كانت تقف وراءه عائلة تينر السويسرية، التي زودت مواقع التخصيب بأجهزة الطرد المركزي وبمواد البناء باستخدام سندات شحن مزورة قدمت إلى السلطات السويسرية. في حين جرى إخفاء الموقعين النوويين الرئيسيين في ليبيا في مدرسة ومزرعة ريفية لم يحدد موقعهما بدقة.

وتابع رئيس الموساد السابق يقول «في مرحلة ما، وصلت المعلومات حول تورط عائلة تينر إلى وكالة الاستخبارات المركزية، ما جعل أفرادها، بشكل فعال، عملاء مزدوجين يقدمون معلومات حول التقدم المحرز في المشروع النووي الليبي الذي يشرف عليه خان».

تهديد أميركي بريطاني للقذافي وشبح مصير صدام
وأكد أن هذه هي المعلومات الاستخباراتية التي اعتمدت عليها الولايات المتحدة وبريطانيا عندما اقتربتا من القذافي وهددتا بمهاجمة المنشآت، مبينا أن القذافي أجرى حسابات سريعة وأدرك أن مصيره سيكون مثل صدام حسين في العراق، ووافق على الكشف عن المشروع بأكمله والسماح لمفتشي الأمم المتحدة بتفكيكه.

وأشار صفرين إلى أنهم قرروا تتبع عبدالقادر خان لمعرفة الدول التي زارها في المنطقة والتي كان من بينها سورية. وقال إن معلومات محددة وصلت إسرائيل من أحد الأطراف أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين حول الأنشطة السورية المتعلقة بأجهزة الطرد المركزي النووية. فقد كانت المعلومات أولية ولم تتطور لتكون كافية لإطلاق عملية استخباراتية، إلى أن جرى الإعلان الأميركي البريطاني عن تفكيك مشروع القذافي.

نوايا سورية بعد القذافي
وفي سياق القضية الليبية كشف المسؤول الاستخباراتي في تلك الفترة تكليف باحثين اثنين بتفحص جميع المواد من العقد الماضي لتحليل نوايا سورية بناءً على ما أقدم عليه القذافي، وأن هذين الخبيرين المتخصصين عادا بعد شهر ونصف من العمل باستنتاج جلي يفيد بأن سورية لديها برنامج نووي، لكنهما لم يتمكنا من تحديده بالتفصيل. وتابع مزاعمه عن بدء تشييد قدرات نووية، وهذا جرى بالفعل في يناير 2004، ليصدر الموساد في فبراير 2004، أول تحذير حول احتمال وجود مشروع نووي في سورية، مشيرا صفرين، إلى نشاط مشبوه على أساس التجربة الليبية وتورط العالم الباكستاني.

ولفت صفرين إلى قرب خطأ الاستخبارات الإسرائيلية في تحديد مسار البرنامج النووي السوري فظنت في البداية أنه على خطى عبدالقادر خان المتخصص في التخصيب وكان الافتراض العملي هو أن سورية كانت تتبع المسار نفسه، وهو تقييم ثبت لاحقا أنه خاطئ.

نشاط «نووي» في سورية
وواصل رئيس الجهاز الاستخباراتي الإسرائيلي الأسبق في سرد حيثيات التجربة السورية ففي نهاية 2006 قال «بدأنا في تكوين فكرة حول وجود عدة أماكن بها نشاط مشبوه في هذه المرحلة لم نتمكن من تحديد ما الموجود في كل مكان، لكننا قيمنا أن هناك نشاطًا نوويا».

وبعدها توصل الصهاينة إلى أن الافتراض الرئيس المتوفر لديهم يتعلق بأجهزة الطرد المركزي في حين أن الاتجاه الصحيح هو في الواقع مفاعل «بلوتونيوم» على حد قوله. وبعد أبحاثها توصلت الاستخبارات العسكرية الصهيونية إلى أن المفاعل النووي السوري لا يتفق مع النموذج الباكستاني بل الكوري الشمالي. وعاد صفرين إلى رصد خلال تلك الفترة نشاطا للكوريين الشماليين في سورية، حيث دخلت في سباق مع الزمن خشية أن تكون شحنة البلوتونيوم موجودة بالفعل في سورية وأن المفاعل سيتم تشغيله. إذا كان الأمر كذلك، فإن أي هجوم عليه سيعني انفجارا نوويا لا يمكن السيطرة عليه.

وناشدت تل أبيب الأميركيين مهاجمة الموقع، إلا أن جورج بوش الابن رفض وأنهى الرئيس السابق أيهود أولمرت الحديث بجملة تقول «إسرائيل ستفعل ما يجب عليها أن تفعله». وبدأت إسرائيل التحضير لتدمير المفاعل النووي السوري في دير الزور، مع وضعها افتراض أن يقدم الرئيس السوري بشار الأسد بعد قصف المفاعل، على شن حرب ضد دول الكيان.

ذخائر أميركية لقصف المفاعل السوري
وكشف صفرين نقل ذخائر خاصة استجلبت من الولايات المتحدة لاستعمالها في قصف المفاعل النووي السوري، فقد رست السفينة الأميركية في جزيرة كريت بدلا من ميناء أشدود بسبب حجمها الضخم، وعلى مدار ثلاثة أيام قامت السفن الإسرائيلية بتحميل الشحنة في الجزيرة ونقلها إلى إسرائيل دون أن يلاحظ أحد النشاط الإسرائيلي المكثف في البحر الأبيض المتوسط.

وفي 6 سبتمبر 2007 أطلقت تل أبيب عملية تحت اسم «خارج الصندوق»، بدأت بقصف جيش الاحتلال الإسرائيلي المفاعل السوري وتدميره بالكامل، لافتا صفرين إلى أن المشروع النووي السوري لم يبدأ مع بشار الأسد بل مع والده حافظ الأسد، وربما كان ذلك في منتصف الثمانينيات، معترفا بأنهم لم يفهموا ترديد الأخير عبارة «التوازن الاستراتيجي» والتي كانوا يعتقدون أنها تعني تعزيز كبير لقدرته العسكرية التقليدية لمواجهة إسرائيل.

تعليقات