جلسة مجلس النواب في بنغازي، الثلاثاء 6 ديسمبر 2022. (مجلس النواب)


مرة أخرى يلجأ مجلسا النواب والدولة إلى لعبة الشد والجذب، فيتفقان ثم لا يتفقان، وهذه المرة اختارا ساحة القضاء لتدخل الأزمة في البلاد طورا جديدا من التعقيد، فقد قرر مجلس النواب إنشاء محكمة دستورية مقرها بنغازي، وهو سرعان ما رد عليه مجلس الدولة بالرفض، والطعن فيه من الناحية الدستورية.

جاءت هذه الخطوة بعد إلغاء اجتماع كان مقررا أن يحضره ممثلون عن المجلسين في مدينة الزنتان، عزز القناعة لدى الشارع الليبي بأن هذه الأجسام القائمة سواء التنفيذية منها أو التشريعية لا تعمل باتجاه تحقيق آماله في حلحلة الأزمة، وتقريب موعد الاستحقاق الانتخابي، بل كثيرا ما شكلت حجر عثرة في مسار العملية السياسية، وبالتالي عرقلة الوصول إلى صناديق الاقتراع بافتعال الخلافات والمناكفات السياسية.

«الدستورية» تفجر الخلاف بين عقيلة والمشر
وفي آخر جولات الخلاف خلط رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري الأوراق على خلفية دفاع الأول عن قانون إنشاء المحكمة الدستورية، في حين أعلن خصمه تعليق التواصل معه إلى حين إلغاء القانون.

ولا يمكن لمتابعي الشأن الليبي الفصل بين تسريع قرار إنشاء المحكمة، وإلغاء اجتماع الزنتان، وما جرت عليه الأمور في محادثات القاهرة قبل أسبوع، التي جمعت رأسي المجلسين، وفشلا فيها في التوصل إلى اتفاق عملي على تشكيل مجلس رئاسي جديد، وسلطة تنفيذية فيما كانت مطالب كثيرين تنصب على ضرورة أن تكون الأولوية للتفاوض حول القاعدة الدستورية وقوانين الانتخابات.

وتبدو أهمية قرار إنشاء محكمة دستورية في التوجه نحو التعامل مع ملف الطعون الدستورية، لاسيما أنه سبق أن عين مجلس النواب 45 قاضيًا جديدًا في المحكمة العليا، إضافة إلى تغيير رئيسها السابق. ويوم الثلاثاء، أقر البرلمان بالغالبية مشروع القانون الذي قدّمه صالح لتشكيل محكمة دستورية في بنغازي تتكون من 13 عضواً يعيّنهم المجلس في أول تشكيل لها.

المشري يعلق التواصل مع عقيلة
ولدى رده على المعارضين اعتبر مجلس النواب، الأربعاء أن «القانون يُحقق العدالة ولا تأثير له على المسار الدستوري الذي عندما يصدر من خلاله الدستور ستلغى كافة القوانين المخالفة لنصوصه»، وفق بيان لعقيلة صالح نشره المتحدث باسم المجلس عبدالله بليحق عبر صفحته الرسمية بموقع «فيسبوك»، مضيفا أن إصدار القانون «تأكيد على حماية الحريات والحقوق وإضافة قضاء متخصص في الشأن الدستوري».

وكان الرد موجها تحديدا إلى المشري الذي أعلن تعليق التواصل مع صالح، وكذلك تعليق أعمال اللجان المشتركة بينهما إلى حين إلغاء قانون إنشاء المحكمة ببنغازي، بدلاً من الدائرة الدستورية في المحكمة العليا بالعاصمة طرابلس، ويبرر المشري موقفه بقوله: «لا نعتبر قانون إنشاء محكمة دستورية من ضمن الصلاحيات التشريعية، بل هو شأن دستوري»، بل يرى أن «إجراء مجلس النواب يزعزع الثقة التي نحاول أن نبنيها بين مجلسي الدولة والنواب ويهدم جهود الوصول إلى توافق حول المسار الدستوري ويعمق الانقسام المؤسسي في البلاد».

وذهب المشري في رسالة بالخصوص حد دعوة رئيس ومستشاري المحكمة العليا ورئيس وأعضاء المجلس الأعلى للقضاء وأعضاء الهيئات القضائية إلى عدم الاعتداد أو العمل بقرار مجلس النواب، ولم تكن الدائرة الدستورية في طرابلس تعمل منذ العام 2016، قبل أن يصدر قرار الجمعية العمومية للمحكمة العليا بعودتها إلى العمل، استجابة لمطالبات بتفعيلها للفصل في خلافات على قوانين وتعديلات دستورية سببت أزمات سياسية في البلاد.

المشري يتوعد الدبيبة.. وحفتر يظهر في أجدابيا
يأتي كل هذا فيما تستمر فصول الصراع على السلطة بين متصدري المشهد، إذ توعد رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، رئيس حكومة الوحدة الوطنية الموقتة عبدالحميد الدبيبة بإخراجه من السلطة، قائلاً عبر «تويتر» إن «من جاء بالانتخابات يخرج بالانتخابات، ومن جاء باتفاق سياسي يخرج باتفاق سياسي».

وليس بعيدا عن هذه المستجدات في خريطة الأزمة الليبية، خرج قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر أمام جموع كبيرة من المواطنين في أجدابيا مهاجما مركز السلطة التنفيذية العليا في طرابلس التي اعتبرها تقع تحت سيطرة المجموعات المسلحة منذ سنوات، مؤكدا أن الوضع هناك هو من أبرز العراقيل التي أدت إلى فشل المساعي نحو الحل الشامل، ولدى تطرقه إلى الوضع السياسي في البلاد رأى حفتر أن الحلول التلفيقية أثبتت عدم جدواها، وبقاء هذه الحلول إضاعة للوقت والجهد وتفاقم للأزمات. كما أعلن رفضه مطالب منع العسكريين من المشاركة في العملية الانتخابية.

ويرى معظم الليبيين على مستوى النخب والشارع أن ما يجري بين من يسمون بأطراف الأزمة هو دليل جديد على السعي لإجهاض العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة، بما فيها تقريب موعد إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في البلاد، طمعا في حفاظ تلك الأطراف على مواقعهم في صدارة المشهد الليبي، كل يستند إلى حليفه الخارجي، في ظل نظرة هؤلاء الليبيين بشيء من التفاؤل للتقارب الذي يحدث بين الأطراف الإقليمية المؤثرة في الحالة الليبية، أملا في انعكاس هذا التقارب على حل الأزمة في ليبيا.

تعليقات