بوابة قسم مغلق في مستشفى طرابلس المركزي يوم 18 يوليو تموز 2016. تصوير: اسماعيل زيتوني - رويترز
بوابة قسم مغلق في مستشفى طرابلس المركزي يوم 18 يوليو تموز 2016. تصوير: اسماعيل زيتوني – رويترز

بعد أن فشل في توفير عناية متخصصة لابنته ذات الستة أعوام في ليبيا أو الحصول على تأشيرة سفر لعلاجها بالخارج اشترى عبد الحكيم الشايبي زورقا مزودا بمحرك وانطلق معها الشهر الماضي عبر المتوسط.

وبعد رحلة استمرت ساعتين ونصف انطلاقا من صبراتة بغرب ليبيا وصل الزورق إلى سفينة أوروبية كانت كلفت بإنقاذ المهاجرين.

وقال الشايبي في اتصال مع رويترز إنه رفع علما أبيض في مواجهة السفينة في إشارة إلى السلام. وجاء حديث الشايبي عبر الهاتف هذا الأسبوع من مدينة جنوة الإيطالية حيث تخضع ابنته ساجدة التي تعاني أحد أمراض الدم النادرة لفحوص طبية. وأضاف أن صديقا له قال لهم إن برفقته طفلة مريضة.

وسرعان ما تلقفت القصة مواقع التواصل الاجتماعي على أنها مثال على التداعيات المأساوية لانهيار النظام الصحي في ليبيا في خضم تراجع للأمن وأزمة مالية ونقص مزمن في العاملين بالمجال الصحي والدواء.

وبدت المشكلات أكثر حدة منذ وصول حكومة تدعمها الأمم المتحدة إلى طرابلس في مارس آذار بهدف إنهاء الصراع المسلح والفوضى السياسية التي ابتليت بها ليبيا منذ سنوات. وتحاول الحكومة تدريجيا تعزيز قبضتها لكنها مازالت تواجه معارضة من فصائل على الأرض.

وقال الشايبي إنه قرر القيام برحلة الزورق عندما زار المستشفى المركزي في طرابلس في وقت سابق من العام الجاري ووجده في حالة مزرية وصفها بأنها أسوأ مئة مرة مما كان عليه. وأضاف أن المستشفى لم يكن به طاقم تمريض في المساء أو دواء أو رعاية صحية على الإطلاق.

وصار المستشفى حاليا في حالة مؤسفة بسبب الانقطاع المتكرر للكهرباء والمياه كما تنقصه الموارد بشدة.

وقبل ثلاثة شهور أغلقت غرفة الطوارئ بعد إطلاق النار على ممرض وضرب آخر. ولم تعد هناك أماكن شاغرة في مشرحة المستشفى لانتظار العاملين بها لتصاريح دفن الجثث التي لم تحدد هويتها. ومن بين 250 ممرضة أجنبية لم تبق سوى 40 واحدة في حين تخشى الممرضات الليبيات العمل بسبب التهديدات الأمنية.

وقال المدير العام مختار الحباس لرويترز لم نعد نجري حاليا سوى عمليات الطوارئ. وأضاف أنه لم يعد لدى المستشفى أدوات التخدير والتعقيم وحتى الشاش. وتساءل: كيف يمكن العمل إذن؟

وقال هارون رشيد المسؤول بمنظمة الصحة العالمية إن هذه القصة تتكرر في أنحاء ليبيا وإن نحو نصف المستشفيات البالغ عددها 159 مغلق أو لا يقدم سوى خدمات على نحو هزيل.

وأضاف أنه قبل الإطاحة بمعمر القذافي في عام 2011 كانت ليبيا من بين أفضل دول المنطقة من حيث مؤشرات الصحة رغم اعتمادها المفرط على أطباء وممرضات أجانب كانوا يحصلون على رواتب كبيرة بسبب دخل البلد من النفط. لكن نحو 80 في المئة من هؤلاء العاملين غادروا البلاد. وهو ما حرم المنشآت الطبية من الرعاية المتخصصة المطلوبة في وحدات حديثي الولادة أو في معالجة العدد الكبير من المصابين من جراء الحوادث المرورية.

وتقول منظمة الصحة العالمية إن حالات الملاريا المستوطنة بدأت في الظهور في الآونة الأخيرة في جنوب ليبيا. وأعربت المنظمة عن مخاوفها من عودة ظهور مرض شلل الأطفال والمقاومة المتنامية للعقاقير المضادة لفيروس نقص المناعة المكتسب بسبب اضطرار المرضى لاستخدام أدوية بديلة نتيجة لنقص الأدوية التي اعتادوا عليها. وفي بلد ينتشر فيه الاستخدام المفرط للأدوية لا توجد مراكز لإزالة السموم.

كما أن الفوضى السياسية والفساد والضغط المالي بفعل التراجع الحاد في الموارد النفطية تسببت كلها في وقف التمويل للمنشآت الطبية. ورغم الثروة الكامنة في ليبيا يتباطأ المانحون الأجانب في توفير التمويل.

وقال رشيد إن كل الناس يقولون إن ليبيا بلد غني ولديه أصول مجمدة لكن ليست لديه سيولة.

وفي مركز طرابلس الطبي أكبر مستشفى حكومي في العاصمة وضعت صناديق التبرعات المعدنية عند مدخله وخلت أرفف صيدلية المستشفى من الأدوية. وقال محمد حنيش مدير عام المركز إن بعض معدات المستشفى جرى وقفها عن العمل من جانب المقاولين الذين لم يحصلوا على مستحقاتهم بعد كما أن الباقين من أعضاء هيئة التمريض يهددون بمغادرة المركز لعدم دفع رواتبهم.

وقال محمد ميلود الصبوح الذي تعالج زوجته من ورم إن العلاج غير موجود مضيفا أنه يشتريه من الصيدليات وأحيانا يضطر للذهاب إلى خمس أو ست صيدليات حتى يجد الدواء.

تعليقات