ألمانيا السلم بالوكالة!

العلاقة بين الدول أعقد، وأكثر سرية، من كل العلائق البشرية، أما مصالحها فأكثر تعقيدا، من أي لعبة شطرنج. لذا تتمظهر أحيانا، كمسرحية كوميديا سوداء، من ذا يجيء تصريح المستشارة الألمانية ميركل، بأن ليبيا، قد تتحول إلى أرض، لحرب بوكالة، فالتصريح يمكن تأويله، بأنه تهديد أو تحذير، وطبعا لم تفصح، عن من هم أصحاب الوكالات، ولا من هم الموكلون. فيما قدمت نفسها، بل وعملت على أن تكون ألمانيا، كوكيل للسلم، فدعت لمؤتمر دولي، يعنى بالمسألة الليبية، وقدمت لذلك باجتماع شبه سري، لأطراف: الدول الأوربية الأربع الكبرى، والدولة الأكبر الولايات المتحدة مع روسيا، مضافة تركيا ومصر… دون إيضاح لمسألة أن هاته الدول، وكلاء الحرب في ليبيا، وبالتالي وكلاء السلم، مع استبعاد صارخ، للطرف صاحب الشأن الليبي!.

الدول الأوربية الأربع الكبرى، فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، إيطاليا، مورطة في المسألة الليبية، منذ الحرب الأوربية الكبرى الثانية، وخاصة مع ثورة فبراير 2011م، وقد اتهم أوباما، في تصريح شهير له، قبيل تسليمه كرسي الرئاسة، أوروبا بأنها المسئولة عن الفوضى الليبية، حيث لم تقم بمهامها بأكمل وجه، مبينا أن ليبيا امتداد جنوبي لأوروبا.

لابد من ملاحظة أن الثورة الليبية، وإسقاط النظام الفاشي المتخلف، جاءت في خضم الربيع العربي، ما كانت ليبيا الثورة الوحيدة فيه، التي ساهمت أوربا في إنجازها بالسلاح، وأن هذا الثورات التي وسمتها الميديا الغربية بالربيع، قد قامت عقب الأزمة الاقتصادية الدولية 2008م، التي يجر العالم أذيالها في الآن وهنا. حدث ذلك، وقد دخلت البشرية المرحلة الرابعة، في تاريخها الحديث، مع التقنية الرقمية، ما جعلت العالم في موبايل. مما ساهم في أن ينعكس الربيع العربي، مقدماته الدولية فتوابعه الإقليمية، على أوروبا والعالم بمتغيرات واضحة ومهمة، في أوروبا انعكست بالشعبوية، فعودة اليمين المتطرف.

لقد باتت أوروبا، كما قبيل الحرب الكبرى الثانية، منقسمة على نفسها، وفي حالة من الارتباك، وليس بالمستطاع التوكد مما يحدث فيها، ولا إلى أين تذهب.

أوروبا هذه غدت ليبيا مرآتها، ورغم تكتم ميركل، أوروبا هذه مَنْ جعلت مِنْ ليبيا، أرض حربها بالوكالة، فساركوزي وبرلسكوني تنافسا، في كسب ود الديكتاتور الليبي – كما يسميانه-، حتى تقبيل الأيدي في مشهد تلفزيوني، حيث برلسكوني، قبل يد الديكتاتور العقيد معمر القذافي، من استقبل في مشهد الاليزيه الفاضح، فبات (ساركوزي) يجرجر في المحاكم الفرنسية. أما الثورة الليبية، فقد صبغت ذلك، بتقدم ساركوزي في سبقها، فتأخر برلسكوني عنها، فيما بريطانيا، على عادتها، جعلت سفيرها يتقدم الصفوف، أما ألمانيا فمنذ الحرب الثانية، في ذيل الركب. بهذا وغيره يتجلي أن المسألة الليبية، مسألة أوربية حادة، حد الإسهال!، لأن أهمية ليبيا مضمرة، وفي بطن الشاعر، بحكم الجغرافيا ومولدها التاريخ.

• برلين النفس الأخير، مرة ثانية

الأحد 14 يونيو 2015م، نشرت ببوابة الوسط مقالة: (برلين النفس الأخير!)، مقالة ساخرة من إسهال المؤتمرات حول المسألة الليبية، ومما جاء فيها: “في برلين تمت ديباجة، هذه التراجيديا اليونانية، التي عرفت بأن نهايتها محتومة ولا مناص منها، فلا بُد لأوديب، أن يقتل أباه وأن يتزوج أمه، حسب معبد برلين “دلفي ليبيا”.

طيب ما دامت مزامير ليون محتُومة، فلماذا في الرابع وليست في الثالث؟، ومادام الرابع لا يخر منه الماء، مُحكمة ومُقدسة، فلماذا هذا الخوف من مسها، وكأنها شرفُ البنت، حسبما جاء في حكمة المُمثل يوسف وهبي: شرف البنت مثل عود الكبريت؟، وإذا كنا مُغفلين وبُلهاء، ولا نعرف مصلحتنا، فلِمَ لا نُعامل باعتبارنا خارجين عن القانون الدولي، ولما لا يُطبق على جيش حفتر القرار الأممي 1973، ما طُبق على جيش القذافي، القرار الذي حصل على إجماع ، ساري المفعول.”.

الحقيقة المرة، أنه في شهر ديسمبر 2015م، كانت نتائج برلين، التوقيع على اتفاق الصخيرات/ المسودة الرابعة، وقد صرح برناردينو ليون، عقب اجتماع برلين، مشيدا بنتائجه، ومنذها تجلى الانقسام الأوربي، حيث وضع تقسيم ليبيا على الأرض، ففي شرق البلاد تم التوكيد، على الاعتراف الدولي بسلطة البرلمان، وفي الغرب بالمجلس الرئاسي ما انبثق عن (اجتماع برلين)!.

الآن وقد تحقق من برلين الأول، أن ليبيا مرآة أوروبا، فهل سيكون برلين الثاني الاجتماع الجامع، بين أوروبا أولا، ومن ثم ينعكس على المسألة الليبية بالإجماع ثانيا، هذا ما يفترض بعد سنوات أربع عجاف في ليبيا، من أثر الانقسام الأوروبي، وأيضا ما كان أثره كزلزال، على الاتحاد الأوربي، وعلى فاعليته، فتكون أهمية ليبيا المضمرة، قد فعلت فعلها، فيصدق عليها المثل اليوناني القديم: أن الحجر المهمل تبين أنه حجر أساس.

• وثيقة
ليبيا ـ عملية السلام ـ بيان اجتماع برلين (10 يونيو/ حزيران2015)
• 1/ التقى اليوم مسئولون كبار من حكومات الاتحاد الروسي وإسبانيا وألمانيا وإيطاليا والصين وفرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية وكذلك الاتحاد الأوروبي في برلين مع أعضاء الوفد الليبي المشارك في الحوار السياسي الذي تقوده الأمم المتحدة، بحضور الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة برناردينو ليون.

• 2/ إن الشعب الليبي جدير بالسلام والاستقرار والازدهار. بيد أن ليبيا تواجه تهديدات جديدة لسيادة وسلامة البلاد.

• أ/ أفضت النزاعات المسلحة بين الأخوة إلى معاناة شديدة لدى السكان المدنيين، وتدهور الوضع الإنساني، وارتفاع معدل انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني، وتشريد أعداد كبيرة من الأشخاص، واستنزاف موارد الدولة، وإحداق خطر الانهيار الاقتصادي والمالي بليبيا.

• ب/ تسعى الجماعات الإرهابية كما عرّفها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى زرع جذورها في ليبيا كدولة – مقسمة، وتهديد أمن المنطقة بأسرها .

• ت/ تسهم الحرب وعدم الاستقرار في ليبيا ومناطق أخرى في التزايد المستمر في أعداد اللاجئين الذين يقعون فريسة للشبكات الإجرامية، بما في ذلك المتاجرين بالبشر ومهربي المهاجرين تلك الشبكات التي تزدهر على خلفية –الانقسام في ليبيا وعلى حساب السلام والأمن في البلاد وإمكاناتها الاقتصادية، مما يؤدي إلى استمرار وقوع خسائر في أرواح المهاجرين في عرض البحر.

• في مواجهة تلك التهديدات، جدد جميع المشاركين في الاجتماع التزامهم القوي تجاه سيادة ليبيا واستقلالها وسلامة أراضيها ووحدتها الوطنية، إذ أشاروا مجدداً إلى بيان مجلس الأمن الصادر في 25 يوليو/ وقرارات مجلس الأمن 5102 – 5502 – 5012 –

• 3/ أعربت الحكومات والاتحاد الأوروبي عن دعمهم المطلق للحوار السياسي الليبي برئاسة الممثل الخاص للأمين العام ليون، ولمقترحاته من أجل التوصل إلى توافق. كما أثنوا على الالتزام المستمر للمفاوضين الليبيين تجاه عملية الحوار الجارية في إطار بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، وعبروا بوضوح عن قناعتهم بأن التسوية السياسية الشاملة هي الحل المستدام الوحيد للأزمة السياسية في ليبيا. وأكدوا مجدد اً على أن التحديات التي تواجه ليبيا يتسنى التصدي لها بأفضل صورة،وبأعلى قدر من الاستدامة من خلال ليبيا كدولة موحدة في شراكة مع المجتمع الدولي.

• 4/ أشادت الحكومات والاتحاد الأوروبي بإخلاص جميع المشاركين في الحوار السياسي والمسارات الأخرى لعملية السلام وبالجهود التي بذلوها. كما رحبوا بالتأييد واسع النطاق الذي تتمتع به العملية السياسية بين صفوف الشعب الليبي وبإسهامات المجتمع المدني الليبي المتعددة في هذه العملية. وأثنوا بشكل خاص على المبادرات الهامة التي اتخذها عدد من البلديات من أجل تحقيق وقف إطلاق نار محلي وتبادل أسرى وإطلاق سراح سجناء والسماح لعودة المشردين …

• 5/ دعت الحكومات والاتحاد الأوروبي الزعماء الليبيين إلى اغتنام الفرصة للاجتماع مجدد اً بشكل عاجل تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة وبحسن نية، وذلك من أجل التفاهم الآن على اتفاق سياسي ينص على وقف عام لإطلاق النار ويكفل وجود مؤسسات سياسية شاملة، بما في ذلك حكومة وفاق وطني وترتيبات أمنية مؤقتة. كما حثوا كافة الأطراف الليبية على التغلب على العقبات المتبقية في سبيل الاتفاق، وخلق بيئة مواتية لإيجاد حل دائم وشامل للصراعات الحالية، وعلى الوقف الفوري لجميع الأعمال العدائية، ومنع كافة الأعمال التي قد تعوق العملية السياسية. وأكدوا في الوقت ذاته على عزمهم وضع تدابير مناسبة تتخذ ضد أولئك الذين يهددون السلام أو الاستقرار أو الأمن في ليبيا، أو يعرقلون أو يقوضون إتمام تحولها السياسي بنجاح.

• 6/ أعادت الحكومات والاتحاد الأوروبي التأكيد على التزامها الراسخ بالعمل بروح من الشراكة مع ليبيا، دولة موحدة وسلمية. وأكدوا مجدداً على أن حكومة الوفاق الوطني الليبية الشاملة من شأنها أن تخلق ظروفا ملائمة لإقامة شراكات في العديد من المجالات، وأن المجتمع الدولي على استعداد لتقديم دعم كبير لحكومة الوفاق الوطني في مجالات تعاون متفق عليها، بما في ذلك – وبناءً على طلب من حكومة الوفاق الوطني وتحت مسؤوليتها الأساسية – المساهمة في الترتيبات الأمنية المؤقتة، والدعم في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، والعمل سوية بشأن الهجرة غير النظامية، وذلك بطريقة تحترم السيادة الليبية وحقوق الأشخاص المعنيين، بينما يتم في الوقت ذاته بذل جهود حاسمة لتعزيزالمؤسسات الليبية ودعم التعافي الاجتماعي والاقتصادي في ليبيا.

• 7/ التقى المسئولون الكبار أيضاً بممثلي تشاد وتونس والجزائر والسودان ومصر والمغرب والنيجر، ورحبوا بجهودهم ودعمهم للعملية التي يقودها برناردينو ليون. كما رحبوا كذلك بجهود مماثلة يقوم بها الاتحاد الأفريقي وآخرون.
• تصريح

ومما جاء في تصريح، بالمؤتمر الصحفي للممثل الخاص للأمين العام في ليبيا، ليون، في برلين 10 يونيو 2015م: هذا جهد جماعي، فإذا تواجدنا هنا اليوم، وإذا أحرزنا بعض التقدم، فالفضل يعود لدعم المجتمع الدولي. وأود أن أشدد اليوم على الدور الحاسم، الذي تؤديه ألمانيا. ثمة نوع من الديناميات كبيرة الأهمية، تبدأ هنا اليوم، والتي لم تكن متوفرة في العملية من قبل، والتي ترجع، من دون شك، إلى العمل الفعال للغاية، الذي قام به الوزير شتاينماير وفريقه.

تعليقات