رشيد خشانة – اعتبر تقرير أصدره أخيرا البنك المغاربي للاستثمار والتجارة الخارجية أن تعزيز التجارة بين بلدان المغرب العربي (الجزائر وتونس والمغرب وموريتانيا وليبيا) شرطٌ ضروريٌ لتحقيق النمو الشامل والمستدام في المنطقة. وتشمل الفوائد المترتبة على تعزيز الاندماج التجاري وتوسيع نطاق السوق ومضاعفة النمو الاقتصادي، إيجاد مزيد من فرص العمل في منطقة تستفحل فيها البطالة، ولا سيما بين فئة الشباب. وركز التقرير على التحديات والفرص المُتاحة للقطاع الخاص، مؤكدا أن هذا القطاع أداة ضرورية وأساسية لتعبئة الاستثمار في القطاعات المنتجة للسلع والقابلة للتداول، وهو ما يعد أمراً جوهرياً لزيادة الصادرات وتحسين المهارات في مجال التصدير.

وعليه، يعتبر تحسُن مناخ الأعمال والاستثمار في غاية الأهمية بالنسبة للمنطقة، في ظرف تؤثر فيه الحواجز الجمركية وغير الجمركية على التجارة، وتزداد فيه، ببطء، وتيرة تطوير مؤشرات القدرة التنافسية، مثلما يؤكد واضعو التقرير. ولم يستطع الاتحاد المغاربي، الذي تأسس في السنة 1989 في مدينة مراكش المغربية، عقد قمة لرؤسائه منذ تكريس القطيعة بين الجزائر والمغرب في السنة 1994 تاريخ آخر قمة بين الدول الخمس، والتي تقرر بعدها غلق الحدود بين المغرب والجزائر. ومن نتائج الشلل الذي أصاب الاتحاد ومؤسساته، الموزعة بين البلدان الخمسة، ما تتسم به المنطقة حاليا من ضعف كبير في تدفقات رأس المال والاستثمارات والتجارة بين بلدانها.

من هنا فإن مستقبل الاندماج الاقتصادي بين بلدان المغرب العربي وديناميكيته، يعتمدان بالضرورة على دور القطاع الخاص. إلا أن الأخير ما زال يواجه عديد العقبات والقيود الرئيسية والمتمثلة في اللوائح التنظيمية والقيود الإدارية، التي تعرقل المبادرات وتنمية المشاريع وتدويلها، فضلا عن الحواجز التي تمنع الوصول إلى مصادر التمويل وتقلل من القدرة على استقطاب الاستثمار الدولي.

وتُبرز الجداول والإحصاءات التي تضمنها التقرير ضآلة التجارة البينية المغاربية، مقارنة بالمجموعات الاقتصادية الإقليمية الأخرى، بما فيها التجمعات الاقتصادية في القارة الأفريقية. ولا تتجاوز المبادلات بين البلدان المغاربية 2.7 في المئة من المبادلات الخارجية للبلدان الخمسة.

المحروقات في المقدمة

وما زالت المحروقات تحتل مكانة هامة بين السلع التي تُصدرها بلدان الاتحاد، على الرغم من تراجع حصة الصادرات النفطية من إجمالي صادراتها، بين عامي 2010 و2016 من 73.3 في المئة إلى 46.1 في المئة، لا سيما بسبب انخفاض سعر البترول في السوق العالمية. وعزا التقرير انخفاض الاندماج الإقليمي أيضاَ إلى تعدد الاتفاقات الثنائية والإقليمية، والاتفاقات التجارية متعددة الأطراف، التي تخص التجارة الحرة التي أبرمتها دول الاتحاد، والتي لم تفرز النتائج المتوقعة، من حيث انخفاض الحماية الجمركية وتخفيف القيود التجارية. ومما يعيق إنشاء تعريفة خارجية مشتركة هو عدم استعداد البلدان لتنفيذ تلك الاتفاقات، بحسب واضعي التقرير.

جودة البنية التحتية للتجارة

سعيا لتصحيح هذا الوضع، اقترح واضعو التقرير التخفيف من المستوى المرتفع لحماية التجارة وتيسير الوصول إلى الأسواق، فضلا عن الإلغاء التدريجي للحواجز الجمركية وغير الجمركية المتبقية وقيود مراقبة الصرف. واعتبروا أنها ركنٌ أساسيٌ لتسهيل التجارة. كما اعتبروا جودة البنية التحتية للتجارة الخارجية عنصراً هامًا لتحقيق اندماج اقتصادي أفضل لاتحاد المغرب العربي. وأظهر التقرير أن السلع المصنعة ذات التكنولوجيا العالية لا تمثل سوى 8.5 في المئة فقط من إجمالي التجارة المغاربية، على عكس المجموعات الاقتصادية الإقليمية المشابهة، أسوة بالسوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا (الكوميسا) والجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إكواس) ومجموعة التنمية لأفريقيا الجنوبية (سايدك) التي تكون الصادرات داخلها مرتفعة نسبياً، ممثلة 20 في المئة في المتوسط من إجمالي تجارتها الخارجية.

لهذا السبب، تتبوأ المجموعة الاقتصادية الإقليمية لاتحاد المغرب العربي واحدة من أدنى المراتب مقارنة بالتكامل الاقليمي للبنك الأفريقي للتنمية، وهذا على مستويات خمسة، وهي البنى التحتية والتجارة والنظم الانتاجية، وحرية تنقل الأشخاص، والاقتصاد الكلي والتقارب المالي. وفي مجال الاستثمار الأجنبي المباشر، تظل منطقة اتحاد المغرب العربي أقل جاذبية وأقل تنافسيةً على المستوى الدولي. فبالرغم من تطور الاستثمارات في بلدان الاتحاد، يظل مستوى الاستثمار الأجنبي المباشر منخفضًا جدًا في ما بينها. و تتمثل أوجه القصور الرئيسة في عدة مظاهر، منها التأخير في الدمج المالي، وضخامة الديون غير المنتجة، وعدم كفاية مبالغ الاعتمادات الممنوحة للقطاع الخاص، وضعف رسملة أسواق الأسهم. كما تتسم المنطقة بالتأخُر في الرقمنة المالية.

تعزيز القطاع الخاص

في ضوء رصده لتطور المؤسسات المالية والأسواق المالية أشار التقرير إلى انقطاع اتحاد المغرب العربي عن التطور العالمي والتأخر الملحوظ في انطلاقة تطوير أسواق رأس المال، خلال العقدين الماضين. ومع ذلك فإن النظام المصرفي في الدول المغاربية يختزن إمكانية المساهمة في الاندماج الإقليمي، الذي يمكن أن يستفيد من تركيز أفضل وتعاون أوسع من أجل مواجهة التحديات المشتركة، وهي متعددة. وقد يؤدي التطور في الوصول إلى مصادر التمويل إلى تعزيز القطاع الخاص وتطوير الاستثمار الأجنبي المباشر، واستطرادا تقدُم الاندماج المالي الإقليمي. وفي هذه الحالة، سيؤدي الاندماج المالي بدوره إلى تكثيف النسيج الاقتصادي على الصعيد الإقليمي بكامله، حسب التقرير.

والملاحظ أن موقع المغرب العربي في خريطة الإستثمار الأجنبي المباشر يتسم بضعف كبير، ففي العام 2017 على سبيل المثال، بلغ رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر المغاربي في البلدان المغاربية 365 مليون دولار فقط.

ويمكن القول إن فضاء الاتحاد المغاربي يظل، على الصعيد الدولي، دون حضور يذكر في المنطقة نفسها، من حيث الاستثمار الأجنبي المباشر. وعزا التقرير ذلك إلى ضآلة الإستثمارات الأجنبية المباشرة في المنطقة، والتي اعتبر أنها “متأصلة في بعض القيود التي لا تزال كامنة في المعاملات الرأسمالية والمالية، مقارنة بالتجمعات الاقتصادية في العالم”. كما أن بيئة الأعمال التجارية غير المواتية وأنظمة الصرف الأجنبي المفروضة على حركة رؤوس الأموال في جميع البلدان المغاربية، تشكل عوائق أمام التدفق الحر لرأس المال.

عشرون صنفا

على الرغم من الأداء التجاري الضعيف، تُصنع البلدان المغاربية منتجات ذات إمكانات عالية للتجارة في المنطقة، والتي لا يتم تداولها بالضرورة. ومن هذا المنطلق، يمكن لأكثر من عشرين صنفا من المنتجات أن تساهم في الترفيع من نسبة المبادلات داخل المنطقة، على غرار الأسمدة والملابس والأدوات الإلكترونية والجلد والأسماك والقشريات والرخويات. وأظهر التقرير ارتفاعا في متوسط المنتجات المصدرة من البلدان المغاربية إلى دول الاتحاد المغاربي الأخرى، منذ العام 2011 وبشكل متواصل، بالتوازي مع الزيادة في القيمة الإجمالية للصادرات داخل الاتحاد.

وبالرغم من تسجيل تطور في الصادرات، فإنه ظل أقل من متوسط المنتجات المصدرة من المغرب العربي نحو السوق العالمية. ورجح واضعو التقرير أن يتم استثمار منتجات تصديرية جديدة لتعزيز التجارة داخل الاتحاد. ويكشف تطور مؤشر تنويع الصادرات، الذي يقيس التقارب التجاري لدولة ما مع هياكل التجارة العالمية، عن الصعوبات التي تواجه بلدان المنطقة في محاولاتها لمواكبة اتجاهات التجارة العالمية، وكذلك الجهود التي تبذلها لتنويع التجارة الخارجية. مع ذلك يُعتقدُ أن الدول المغاربية “تمتلك قدرة ضئيلة على تلبية احتياجات الاستيراد لباقي بلدان المنطقة، و تكتفي هذه البلدان بالواردات من الخارج.

إزالة العقبات

في السياق توقع التقرير أن يدعم تعزيز الاندماج التجاري الإقليمي صعود صادرات السلع ذات النمو المرتفع في السوق الإقليمية والعالمية، من خلال تسهيل استغلال أفضل للتخصصات والمزايا التفاضلية لكل بلد. وبناء على ذلك حض التقرير على “تحديد العراقيل الرئيسة بوضوح لإزالة العديد من العقبات، من أجل تهيئة الظروف لتحقيق اندماج تجاري إقليمي بشكل أفضل”.

وفي التفصيل، يؤكد التقرير أنه، بالإضافة إلى غياب الارادة السياسية من قبل سلطات بلدان الاتحاد، تمنع العديد من العقبات والقيود التنظيمية واللوجستية الشركات المغاربية من تطوير نشاط ما، أو إجراء تبادل تجاري في باقي المنطقة. ويتمثل أحد أهم العوامل التي تعيق التجارة بين بلدان الاتحاد في الدرجة العالية من الحماية التجارية التي تمارس في المنطقة. وعلاوة على تعدد الحواجز الجمركية، ازدادت أهمية التدابير غير الجمركية خلال السنوات الأخيرة، وأصبحت تُسببُ مشاكل للشركات المغاربية المصدرة أكبر بكثير من مستوى التعريفات الجمركية.

ولدى التطرق إلى دور البورصات المغاربية ذكر التقرير أنها تشارك بشكل ضئيل في العمليات العابرة للحدود. وعزا ذلك إلى تعدد الحواجز، مؤكدا أنه “يجب في المقام الأول، تجاوز مشكل القيود المفروضة على نقل رؤوس الأموال وتحويل العملات، التي تعيق المبادلات المالية. ثم بعد ذلك، نرى أنَّ التعاون بين بورصات الدول المغاربية، يستلزم التقارب في الإجراءات، وتسهيل التعاملات بين مختلف الجهات الفاعلة في تلك الأسواق، ودعوة الشركات للبحث عن تمويل خارج بلدها الأصلي”. وأضاف “يمكن للوسطاء الماليين تقديم منتجات مالية مُبتكرة تسمح مثلاً بعرض حزمة من الأوراق المالية المغاربية متعددة القوميات”. وعلاوة على ذلك، قد يكون من الضروري للبورصات المغاربية أن تتخصص وإن بشكل جزئي، في تطوير سلاسل القيمة الإقليمية، مع مساندة شركات وهيئات البورصة.

تأخر في الرقمنة

تطرق التقرير إلى موضوع الإدماج المالي والحصول على الخدمات المالية، مشيرا إلى قلة عدد أصحاب الحسابات في بلدان الاتحاد، إذ تتسم المنطقة المغاربية بالتأخر في رقمنة الحسابات من زاويتين، تتمثل الأولًى بأن بطاقات الخصم والائتمان أقل شيوعًا بين السكان البالغين من العمر 15 عامًا فما فوق، مما هي عليه في بقية البلدان النامية، وفي العالم. وثانيًا، ينعكس التأخر في الانضمام إلى العصر الرقمي في انخفاض استخدام الإنترنت والهاتف المحمول لدفع الفواتير والمشتريات والاطلاع على الحسابات.

واقترح واضعو التقرير تعزيز الاندماج الإقليمي من خلال الإدماج المالي بواسطة تبادل الخبرات ومواءمة المعلومات، ولكن أيضًا من خلال توافق النظم المالية والتقريب بين بعضها البعض. وفضلا عن ذلك، يُعتقد أن الإدماج المالي “قد يقلل من أهمية القطاع غير المهيكل في التجارة عبر الحدود، في حين أن تعدد أنظمة الصرف الأجنبي تجعل جزءا من الاقتصاد يخرج من القنوات الرسمية و لاتستفيد منه الخدمات المالية التي تدعم تطوره”.

تحول في بنية الصادرات؟

وحض واضعو التقرير على تسريع التحول في بنية الصادرات، الذي يجسده الانخفاض النسبي في الصادرات الإقليمية التقليدية (المعادن والأسمدة والكيمياء العضوية والملابس والأحذية) لتنويع المنتجات المصدَرة. ولكن يجب على البلدان المغاربية أيضا أن تُحسن تكامل المنتجات المتداولة في المنطقة، وأن تُيسر التجارة بإزالة الحواجز المتواصلة، بما فيها الحواجز ذات الصلة بالعمليات الجارية. وأكدوا أن منتجات التصدير الجديدة “تشكل المصدر الأكثر تطوراً للقيمة المضافة وتعزيز الاندماج الإقليمي، من خلال تشجيع إمكانات الوصول إلى مجموعة أكثر تنوعًا من المنتجات الخاصة بكل بلد”. وفي السياق أظهر التقرير أن بعض بلدان الاتحاد تستورد منتجات من بقية العالم في حين أنها متاحة في المنطقة.

التقليص من القطاع غير الرسمي

وشدد التقرير على أن تعزيز التكامل الإقليمي ممكن من خلال تحسين فرص حصول جميع الأفراد والشركات على الخدمات المصرفية والمالية، فيسمح الإدماج المالي بالتقليل من أهمية القطاع غير الرسمي في التجارة عبر الحدود، في حين أن تشديد أنظمة الصرف الأجنبي يعني أن جزءا من الاقتصاد يخرج من القنوات الرسمية، ولا يفيد الخدمات المالية التي تدعم التنمية. وإذا أزيلت أهم العقبات التي تعرقل ممارسة الأعمال التجارية والتي تعوق التكامل الإقليمي، قد يتسارع انتشار هذه العلامات الإيجابية للتحديث. وعن مناخ الأعمال التجارية، قال التقرير إن نصف أعمال البلدان المغاربية “تشير إلى أنها تتنافس مع المؤسسات غير الرسمية وتعاني من نقص التمويل واليد العاملة الخبيرة”. وأكد على ضرورة تعزيز الحوار السياسي بين دول الاتحاد وتعزيز الحوار بين الحكومات والشركات التجارية، من أجل الاستفادة من الفرص التي يوفرها القطاع الخاص وتوطيد القدرات الإنتاجية وتنشيط التجارة داخل المنطقة.

تعليقات