تحت عنوان ” ليبيا واجهة التمدد التركي في المتوسط” كتب الباحث الليبي ابراهيم محمد الغدامسي، في العدد الجديد من مجلة “شؤون ليبية”، عما أسماه عودة تركيا إلى الفضاء المتوسطي، بعدما كانت قد أمضت سنوات تطرق أبواب الاتحاد الأوروبي، أملا في الحصول على عضوية كاملة. وقد اعترضت دول وازنة في الاتحاد على ضم بلد إسلامي قوامه قرابة 100 مليون ساكن، بالرغم من أن أنقرة قبلت بسن قوانين جديدة وتنفيذ إصلاحات تستجيب للشروط والمعايير الأوروبية.

ومنذ أغلق الأتراك، في عهد “حزب العدالة والتنمية” الأصولي، قوس المفاوضات مع الأوروبيين، استداروا إلى محيطهم الاستراتيجي يبحثون عن بناء تحالفات جديدة. وبالاضافة إلى بلدان آسيا الوسطى، المرتبطة تاريخيا بالدولة العثمانية، مثل أذربيجان وأوزباكستان وتركمانستان، ركزت تركيا أيضا على محيطها المتوسطي، بدءا من سوريا وليبيا وتونس وصولا إلى الجزائر. وبات هذا الفضاء يحظى بالأولوية في خطط “العدالة والتنمية” على إثر صعوده إلى سدة الحكم في عام 2002. ووصف مُنظر الحزب أحمد داود أوغلو، الذي تولى لاحقا رئاسة الحكومة، هذه المنطقة الممتدة من آسيا الوسطى إلى شمال أفريقيا، بـ”العمق الاستراتيجي”. وهو يرى في المنطقة المتوسطية جسرا لتحويل تركيا إلى قوة اقليمية متوسطة الحجم، كما يقول الغدامسي.

دور محوري لألمانيا

ورصد الكاتب والباحث عُبادة الحاسي، من جانبه، في العدد الجديد من المجلة، التقهقر الاستراتيجي لفرنسا في ليبيا، مع بروز الدور المحوري لألمانيا في السعي إلى دفع الأزمة الليبية نحو مربع السلام، مشيرا إلى تراجع القوى الأوروبية التقليدية، وخاصة فرنسا، التي “تحصد ثمار أخطائها في ليبيا ومنطقة الساحل وشرق المتوسط” بحسب ما كتب الحاسي. واعتبر الباحث أن المراهنة على حفتر كانت خطأ استراتيجيا، مشيرا إلى أن “المديرية العامة للاستخبارات الخارجية” قدمت المشورة إلى قوات الشرق الليبي، على مدى سنوات، عبر ذراعها العسكرية “سرفيس أكشن”، بعنوان المساعدة على ملاحقة تنظيم “داعش”. وأدى إسقاط مروحية في بنغازي ومقتل ثلاثة من ضباط المخابرات الفرنسية الخارجية كانوا على متنها، إلى كشف النقاب عن حجم الدعم الفرنسي للجنرال المتقاعد حفتر، إذ تحدثت بعض المصادر عن وجود ما لا يقل عن مئة ضابط ومستشار فرنسي في المنطقة الشرقية. لكن هذه الأرقام تبقى عادة في كنف السرية.

دعم بالمستشارين والصواريخ

ويضيف الحاسي “إمعانا في التحيُز ضد حكومة الوفاق، المعترف بها دوليا، تلقى عناصر من القوات الخاصة الفرنسية تعليمات بمرافقة قوات حفتر لدى زحفها نحو العاصمة طرابلس في 4 أفريل 2019. وأزاحت هزيمة تلك القوات في غريان، جنوب العاصمة، الستار عن حجم الدعم الفرنسي، إذ هربت مجموعة من “المستشارين” عبر الحدود، فيما عُثر في القاعدة العسكرية على صواريخ فرنسية مضادة للدبابات من طراز “جافلان” في صناديقها.

وتضمن العدد 16 من مجلة “شؤون ليبية”، التي يصدرها “المركز المغاربي للأبحاث حول ليبيا”، بإدارة الزميل رشيد خشانة، مجموعة من المقالات والدراسات بالعربية والانكليزية والفرنسية، من بينها دراسة عن تاريخية المسالة الدستورية في ليبيا، بقلم الدكتور عبد المجيد الجمل أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة صفاقس. ويُظهر الدكتور الجمل أن المسألة الدستورية كانت ومازالت من المسائل التي أثارت جدلا وفجرت صراعات عديدة سواء بين النخب الليبية أو بينها وبين القوى الاجنبية طيلة الفترة الاستعمارية (1911-1952). فأثناء الاحتلال الايطالي (1911-1943) كان مطلب الدستور من مطالب النضال الوطني. و كان ظهور دستور الجمهورية الطرابلسية سنة 1920 والقانون الأساسي ببرقة في نفس الفترة تقريبا، تجسيما لهذا النضال واستكمالا له.

تعدد الأحزاب والجمعيات

واتسمت فترة الاستعمار الانكليزي ببرقة وطرابلس (1943-1952) مقارنة بفترة الاستعمار الايطالي وكذلك الاستعمار الفرنسي بفزان ( 1943-1952)، اتسمت بتعدد الأحزاب والجمعيات ببرقة وخاصة بطرابلس، وكذلك بظهور وثيقتين دستوريتين: دستور برقة سنة 1949 ودستور ليبيا الموحدة سنة 1952، الذي تم انجازه من قبل جمعية وطنية وبتوافق بين مختلف مكونات المجتمع الليبي.

وتنبغي الاشارة هنا أيضا إلى أن من خصوصيات التطور الدستوري بليبيا، الدور المهم للقوى الدولية، كما بين ذلك القرار الصادر عن الأمم المتحدة في سبتمبر 1949،حيث تم تطبيقا له انجاز دستور 1951. وخلال فترة الاستقلال في ظل حكم محمد إدريس السنوسي (1952-1969) تم إدخال تعديلات على دستور 1951 في أفريل 1963، ألغي بمقتضاها النظام الاتحادي. أما في فترة حكم معمر القذافي (1969-2011) فتم إلغاء دستور 1952 وإصدار إعلان دستوري في ديسمبر 1969، تم إلغاؤه لاحقا حيث تم إرساء حكم فردي، إلى 2011 تاريخ سقوط نظامه.

واشتمل العدد الجديد من “شؤون ليبية” على مواد أخرى، إذ كتبت أريج خطاب عن التحرش والاغتصاب وتبعات الخوف، انطلاقا من مثالين من ليبيا ومصر، كما كتب رشيد خشانة مقالا تحليليا حول ما إذا كانت الانتخابات ممكنة في مارس أم لا، فيما تطرق الأكاديمي الليبي الدكتور علي الحوات إلى “تفشي فيروس كورونا 19 وتأثيره على المجتمع الليبي، وخاصة في قطاع التعليم”. أما القسمان الفرنسي والانكليزي من المجلة فجاءا حافلين بالدراسات والمقالات بأقلام فريديريك بوبان وجيريمي برليو وبينوا فيتكين وفهيم تستاكين وآخرون.

تعليقات