العملية السياسية يجب أن يقودها الليبيون

عبد الحميد صيام – قليل من سمع باسم ستيفاني وليامز قبل هذا الاختراق. غسان سلامة هو الذي اختارها نائبة له في تموز/يوليو 2018. استقال سلامة في آذار/مارس الماضي وبقيت وليامز. ولحسن حظها، وربما لحسن حظ ليبيا، أن مجلس الأمن لم يتفق بسرعة على إرسال مبعوث خاص لليبيا خلفا لسلامة. فبينما تدفع المندوبة الأمريكية مسنودة بممثلي أوروبا في المجلس إضافة إلى الاتحاد الروسي نحو ترشيح نيكولاي ملادينوف، المبعوث الحالي للأمين العام في فلسطين المحتلة ومنسق الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط، إلا أن ممثلي أفريقيا الثلاثة، جنوب أفريقيا والنيجر وتونس، تحفظوا على هذا الاختيار بحجة أن تعيين شخص من خارج القارة الأفريقية غير ملائم، حيث جرب الأمين العام ستة مندوبين من خارج القارة ولم يتمكنوا من حل المعضلة الليبية. فكيف لملادينوف، الذي يشير سجله في فلسطين والعراق لكوارث حقيقية، لا مجال لتعدادها لكثرتها ويكفي أن أشير إلى أن تقاريره من فلسطين المحتلة تكاد تحمل الفلسطينيين مسؤولية الأوضاع التي وصلت إليها فلسطين وخاصة حل الدولتين الذي ذهب هناك في مهمة لتحقيقه.

إذن لعبت الظروف لصالح ستيفاني وليامز وكانت على قدر من المسؤولية والحنكة والحيادية التي ساهمت في هذا الاختراق ولا نقول إنها صنعت، بل ساهمت، في هذا الاختراق وأحسنت استغلال الظروف.

جمعت وليامز “المجد من أطرافه” فهي خبيرة في الشؤون العربية وتتحدث اللغة العربية بطلاقة. وما زاد في مكانتها وحياديتها كونها امرأة وأمريكية ولديها الخبرتان الأممية والدبلوماسية. فقد عملت في ليبيا كقائمة بأعمال السفارة الأمريكية في طرابلس ثم نائبة لغسان سلامة وقبل ذلك عملت في سفارات الولايات المتحدة في العراق والأردن والبحرين والإمارات والكويت. كما عملت في وزارة الخارجية الأمريكية مسؤولة متخصصة في قسم الأردن، ونائبة مدير قسم مصر وشؤون بلاد الشام، ونائبة مديرة مكتب المغرب العربي. كما أن معظم دراسات وليامز تتعلق بالمنطقة العربية، فقد حصلت على درجة الماجستير في الدراسات العربية من مركز الدراسات العربية المعاصرة في جامعة جورج تاون. وهي خرّيجة متميزة في الكلية الحربية الوطنية، حيث حصلت على درجة الماجستير في دراسات الأمن القومي عام 2008 وهي خبيرة في شؤون الشرق الأوسط والعالم العربي بامتياز.

تميز أسلوب وليامز في العمل منذ ثبتها الأمين العام في 11 آذار/مارس الماضي كرئيس للبعثة بالإنابة، بالعمل المتواصل مع كافة الأطراف الليبية والإقليمية والدولية، دون أن تفقد بوصلتها المشدودة لموضوع وقف إطلاق النار أولا، والاستمرار في الحوار على المسارات الثلاثة، الأمني والاقتصادي والسياسي، بدعم من دول الإقليم وصولا إلى العودة إلى طاولة المفاوضات.

– شكاوى الليبيين كانت مركزة حول عيوب اتفاقية الصخيرات وتوزيع المناصب السيادية المنبثقة عنها. وافقت وليامز على فتح أبواب تعديل الاتفاق السياسي دون إلغائه، فلا شرعية لأحد إذا ألغي الاتفاق السياسي الذي تم التوافق عليه في الصخيرات بالمغرب في كانون الأول/ديسمبر 2015. لكن إعادة توزيع المناصب السيادية عبر مفاوضات بين ممثلي برلمان طبرق والمجلس الرئاسي هو أمر مقبول ومنطقي، وطلبت وليامز من المغرب أن يقود هذا المسار بصفته الراعي لاتفاق الصخيرات 2015. وقد نجحت مفاوضات بوزنيقة في الوصول إلى تفاهمات جديدة حول توزيع المناصب السيادية دون إقصاء أو احتواء.

– وافقت وليامز على المفاوضات الأمنية والعسكرية 5+5 دون إقصاء للمشير خليفة حفتر، وهو أحد شروط حكومة الوفاق. ولكن مقابل ذلك أصرت أن تتمسك بموضوع المساءلة في جرائم الحرب واستهداف المدنيين والمقابر الجماعية التي اكتشفت في منطقة ترهونة والأحزمة القريبة منها. وبهذا سهلت عودة المفاوضات المباشرة بعد أربع جولات من المفاوضات عن بعد. وقد ردت على تساؤل من كاتب هذه السطور حول الجدل المثار حول كيفية إشراك حفتر في المفاوضات قائلة: “إذا دخلت في جدل حول ضرورة استبعاد حفتر، فسيأتي من يقول يجب إبعاد خالد المشري، ومن يقول يجب ألا يكون هناك عقيلة صالح. هذه ليست بداية صحيحة. يجب عدم التركيز الآن على الأشخاص والتركيز يجب أن يكون على المؤسسات، وهذه نقطة أهملها المجتمع الدولي، فلو ركزوا على بناء المؤسسات لكان من الممكن مخاطبة مواضيع الفساد والمساءلة”.

– عملت وليامز مع الأطراف السياسية المؤثرة وخاصة مصر وروسيا وتركيا. مصر بعد أزمة سد النهضة مع إثيوبيا وجدت أن مصلحتها القومية أن تهدئ من التوتر في ليبيا خاصة أن الفرصة التي أعطتها هي والإمارات لخليفة حفتر لحسم المعركة عسكريا فشلت وعاد مدحورا يجر ذيول الهزيمة. كما أن حكومة الوفاق وحليفتها تركيا تأكدت أن من غير المسموح أن تحسم المعركة عسكريا في منطقة الهلال النفطي، والاقتراب من احتلال سرت يعتبر خطا أحمر ليس لمصر بل لأوروبا وروسيا أيضا.

– تم استبعاد الورقة الفرنسية والإماراتية من المعادلة والتعويل فقط على دور روسي ألماني تركي مصري، رغم ما بين هذه الدول من تناقضات. لكن التوتر في منطقة شرق المتوسط جعل تركيا تراجع شيئا من مواقفها في ليبيا لتستند إلى الحائط الروسي أمام اصطفاف أوروبا مع الموقف اليوناني. روسيا من مصلحتها هذا التوتر فلا شيء يسعدها أكثر من خروج تركيا من حلف الناتو، إلا أن الولايات المتحدة لعبت دورا وسيطا كي لا يؤدي الضغط الأوروبي إلى مزيد من التقارب الروسي التركي. وروسيا تعتبر أنها أمنت لها موضع قدم في ليبيا فمن مصلحتها أن تبدو وكأنها صانع سالم بسبب توجس الدول الأوروبية والولايات المتحدة. هذه الدول جميعها توصلت إلى قناعة أنه بدون روسيا وتركيا لا يمكن للأمن أن يستتب في ليبيا. إذن تهيأت كل الظروف الدولية للعودة إلى المفاوضات ضمن خريطة الطريق التي طرحتها وليامز.

– لم تغفل وليامز التواصل مع جميع أطياف الشعب الليبي من شباب ومرأة ومجتمع مدني وأحزاب وقبائل ورؤساء عشائر. واستطاعت أن تحشد دعما واسعا لوقف إطلاق النار والعودة للمفاوضات. لقد عقدت الملتقى الأول للحوار السياسي الليبي يوم الاثنين 26 تشرين الأول/أكتوبر، عبر تقنية الفيديو بمشاركة 75 شخصا. ومن المقرر أن يعقد الاجتماع المباشر الأول يوم 9 تشرين الثاني/نوفمبر في تونس العاصمة. ويأتي استئناف الملتقى بعد أيّام من التوقيع على اتفاق وقف دائم لإطلاق النار في جميع أرجاء ليبيا.

وفي كلمتها في ختام الاجتماع، قالت وليامز إن الجولة المقبلة في تونس ستركز على سبل وآليات ومعايير توحيد السلطة التنفيذية. وأكدت أن هذه المرحلة سيتبعها وضع خريطة طريق تهدف إلى الوصول إلى تحسين خدمات المواطن والبدء بالتحضير للانتخابات المقبلة على أرضية دستورية صلبة تؤدي الى إيجاد شرعية وهيكلية دائمة للعملية السياسية في ليبيا. وأضافت “إن الليبيين، وبالرغم من مطالبهم المختلفة والمناطقية أحيانا، يتوقون الى الوحدة. الوحدة التي تبدأ بتوحيد المؤسسات، وتحسين حياة المواطن الليبي”.

المخاطر الثلاثة

أولا: أكبر تخوف يواجه جهود الأمم المتحدة مع الأطراف الليبية هو كيفية إخراج المرتزقة من ليبيا وعددهم كبير. من السهل إخراج التشاديين والسودانيين وحتى العناصر التي جلبها الأتراك معهم، لكن كيف سيتم إخراج مرتزقة فاغنر علما أن روسيا تدعي أن ليس لها تأثير عليهم؟ إنها الورقة الرابحة في يد روسيا دون أن تتحمل تبعاتهم فكيف ستفرط فيها إذا لم تضمن مصالحها في أي اتفاق؟

ثانيا: هل سيقبل المشير حفتر بدور ثانوي في حال التوافق على حكومة مدنية ووزير دفاع مدني يملك صلاحية الفصل والتعيين؟ وهل سيسلم نفسه لمحكمة الجنايات الدولية إذا قاد التحقيق الدولي إلى إدانته في المجازر واستهداف المدنيين والمستشفيات والمطارات المدنية والمقابر الجماعية؟ هناك الآن لجنتان تحققان في المقابر الجماعية وانتهاكات حقوق الإنسان، واحدة تابعة لمجلس حقوق الإنسان والأخرى للمحكمة الجنائية نفسها وكثير من المتابعين للشأن الليبي يعتقدون أن التحقيقات النزيهة ستقود بالتأكيد إلى خليفة حفتر.

ثالثا: هل ستلتزم الدول التي تزود الأطراف المتنازعة بالمال والسلاح بوقف تدفق الإثنين معا؟ هل ستشمل المراقبة، التي تقوم بها دول الاتحاد الأوروبي بتفويض من مجلس الأمن، الجو والأرض والبحر، كي لا تشعر تركيا أنها هي الوحيدة الخاضعة للمراقبة. هل ستقبل الإمارات التي استثمرت مليارات الدولارات في ليبيا لترجيح كفة حفتر أن تعود “من المولد بلا حمص” وتخرج خالية اليدين وهي التي رتبت اجتماعا بين إسرائيل والمشير حفتر لضمان دعمه أمريكيا إلا أن الرياح لم تجر كما تمنتها سفن المشير.

هذا التفاؤل سيثبت صدقيته في الأيام والأسابيع والشهور المقبلة ونتمنى أن نشهد عودة ليبيا الواحدة الموحدة تحت قيادة منتخبة ملتزمة بدستور صوتت لصالحه غالبية الشعب الليبي ينص على سيادة القانون في دولة ديمقراطية تعددية تكون سندا لشعبها وأمتها. وكما قالت وليام ردا على سؤال للكاتب حول واقعية هذا التفاؤل: “إن حل المسألة الليبية ليس مستحيلا، بل يحتاج إلى إرادة دولية، ويحتاج إلى إرادة حقيقية من الليبيين أنفسهم كما أن هناك ضرورة لأن يسحب اللاعبون الخارجيون أياديهم من البلاد، فالتدخل الخارجي في ليبيا ليس تدخلا حميدا. أما موضوع التمثيل فهو في نهاية الأمر، مسألة ليبية متروكة لليبيين. فالعملية السياسية يجب أن يقودها الليبيون وأن تكون ملكا لليبيين”.

تعليقات