إذا‭ ‬كان‭ ‬فرقاء‭ ‬الأزمة‭ ‬الليبية‭ ‬قد‭ ‬تمكنوا‭ ‬يوم‭ ‬الخامس‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬شباط‭/‬فبراير‭ ‬الجاري‭ ‬في‭ ‬جنيف‭ ‬وبإشراف‭ ‬من‭ ‬منظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬انتخاب‭ ‬أعضاء‭ ‬سلطة‭ ‬تنفيذية‭ ‬جديدة‭ ‬تقود‭ ‬البلاد‭ ‬خلال‭ ‬مرحلة‭ ‬انتقالية‭ ‬تنتهي‭ ‬بتنظيم‭ ‬انتخابات‭ ‬رئاسية‭ ‬وتشريعية‭ ‬في‭ ‬الرابع‭ ‬والعشرين‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬كانون‭ ‬الأول‭/‬ديسمبر‭ ‬المقبل،‭ ‬فإن‭ ‬مراقبين‭ ‬كثيرين‭ ‬مهتمين‭ ‬بالشأن‭ ‬الليبي‭ ‬يرون‭ ‬تهميش‭ ‬فرنسا‭ ‬من‭ ‬محادثات‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬ومشاوراتها‭ ‬ومساعيها‭ ‬لتطويق‭ ‬الأزمة‭ ‬الليبية‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬خصومها‭ ‬وحلفائها‭ ‬أيضا‭. ‬ويقول‭ ‬هؤلاء‭ ‬المراقبون‭ ‬إن‭ ‬فرنسا‭ ‬تجد‭ ‬اليوم‭ ‬نفسها‭ ‬خارج‭ ‬اللعبة‭ ‬في‭ ‬ليبيا،‭ ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬تعد‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الأطراف‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬لديها‭ ‬مسؤولية‭ ‬كبرى‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬تجري‭ ‬بين‭ ‬الفرقاء‭ ‬الليبيين‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2011‭.‬

وفي‭ ‬نهاية‭ ‬تموز‭/‬يوليو‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2017‭ ‬أي‭ ‬بعد‭ ‬نحو‭ ‬شهرين‭ ‬من‭ ‬وصول‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬الحالي‭ ‬إيمانويل‭ ‬ماكرون‭ ‬إلى‭ ‬مقاليد‭ ‬الحكم،‭ ‬وضع‭ ‬هذا‭ ‬الأخير‭ ‬الملف‭ ‬الليبي‭ ‬ضمن‭ ‬الملفات‭ ‬الرئيسية‭ ‬في‭ ‬اهتمامات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الفرنسية،‭ ‬حيث‭ ‬سارع‭ ‬إلى‭ ‬جمع‭ ‬فائز‭ ‬السراج،‭ ‬رئيس‭ ‬حكومة‭ ‬الوفاق‭ ‬الوطني‭ (‬مقرها‭ ‬طرابلس‭) ‬المدعومة‭ ‬من‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬والمشير‭ ‬خليفة‭ ‬حفتر‭ ‬قائد‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬بــ«الجيش‭ ‬الوطني‮»‬‭ ‬الليبي‭ ‬في‭ ‬شرق‭ ‬البلاد،‭ ‬في‭ ‬ضاحية‭ ‬سان‭-‬سينكلو‭ ‬الباريسية‭. ‬وفي‭ ‬نهاية‭ ‬أيار‭/‬مايو‭ ‬عام‭ ‬2018‭ ‬التقى‭ ‬ماكرون‭ ‬أطراف‭ ‬الأزمة‭ ‬الليبية‭ ‬في‭ ‬اجتماع‭ ‬موسع‭ ‬بقصر‭ ‬الإليزيه‭ ‬أفضى‭ ‬إلى‭ ‬توصل‭ ‬الفرقاء‭ ‬الليبيين‭ ‬إلى‭ ‬إعلان‭ ‬سياسي‭ ‬يقضي‭ ‬بتنظيم‭ ‬انتخابات‭ ‬تشريعية‭ ‬ورئاسية‭ ‬في‭ ‬العاشر‭ ‬من‭ ‬كانون‭ ‬الأول‭/‬ديسمبر‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬ذاته‭ ‬أي‭ ‬عام‭ ‬2018‭. ‬واعتبر‭ ‬ماكرون‭ ‬وقتها‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الاتفاق‭ ‬يعدّ‭ ‬‮«‬خطوة‭ ‬رئيسية‭ ‬نحو‭ ‬المصالحة‮»‬‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭.‬
غير‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الاتفاق‭ ‬ولد‭ ‬ميتاً،‭ ‬ووقع‭ ‬على‭ ‬وفاته‭ ‬الهجوم‭ ‬العسكري‭ ‬الذي‭ ‬شنته‭ ‬قوات‭ ‬المشير‭ ‬خليفة‭ ‬حفتر‭ ‬في‭ ‬الرابع‭ ‬من‭ ‬نيسان‭/‬ابريل‭ ‬عام‭ ‬2019‭ ‬ضد‭ ‬العاصمة‭ ‬طرابلس‭. ‬وقد‭ ‬ضاعف‭ ‬هذا‭ ‬الهجوم‭ ‬من‭ ‬سهام‭ ‬الانتقادات‭ ‬الموجهة‭ ‬إلى‭ ‬باريس‭ ‬بسبب‭ ‬الدعم‭ ‬الفرنسي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يحظى‭ ‬به‭ ‬خليفة‭ ‬حفتر،‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬انكشف‭ ‬وجود‭ ‬عناصر‭ ‬من‭ ‬القوات‭ ‬الخاصة‭ ‬الفرنسية‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2016‭ ‬تقدم‭ ‬الدعم‭ ‬اللوجيستي‭ ‬والاستخباراتي‭ ‬لحفتر‭. ‬وكانت‭ ‬فرنسا‭ ‬تقف‭ ‬إلى‭ ‬جانبه‭ ‬لأنها‭ ‬كانت‭ ‬ترى‭ ‬أنه‭ ‬الأقوى‭ ‬عسكريا‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬موقف‭ ‬العداء‭ ‬الذي‭ ‬التزمه‭ ‬حفتر‭ ‬تجاه‭ ‬الإسلاميين‭ ‬جعل‭ ‬منه‭ ‬رجل‭ ‬باريس‭ ‬وأبو‭ ‬ظبي‭ ‬والقاهرة‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬شددت‭ ‬فرنسا‭ ‬مراراً‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تدعم‭ ‬هجوم‭ ‬حفتر‭ ‬على‭ ‬طرابلس‭ ‬الذي‭ ‬تسبب‭ ‬بفوضى‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬البلاد‭.‬

الخلاف‭ ‬مع‭ ‬إيطاليا
‭ ‬
موقف‭ ‬باريس‭ ‬‮«‬المزدوج‮»‬‭ ‬والمتمثل‭ ‬في‭ ‬مسايرة‭ ‬مواقف‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬وتقديم‭ ‬الدعم‭ ‬لحفتر‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬يرى‭ ‬مراقبون‭ ‬أنه‭ ‬قلل‭ ‬من‭ ‬مصداقيتها‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬دعواتُها‭ ‬إلى‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬والتوصل‭ ‬إلى‭ ‬اتفاق‭ ‬تفاوضي‭. ‬زد‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬فرنسا‭ ‬وجدت‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬حليف‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬هو‭ ‬إيطاليا،‭ ‬الدولة‭ ‬الأوروبية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تستعمر‭ ‬ليبيا‭ ‬والتي‭ ‬ظلت‭ ‬دوما‭ ‬أقرب‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬لها‭ ‬عبر‭ ‬مختلف‭ ‬الفترات‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬ليبيا‭ ‬خلال‭ ‬حقبة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الاستعمار‭. ‬وقد‭ ‬وجدت‭ ‬نفسها‭ ‬بعد‭ ‬سقوط‭ ‬نظام‭ ‬معمر‭ ‬القذافي‭ ‬وانهيار‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬الليبية‭ ‬وحالة‭ ‬الفوضى‭ ‬التي‭ ‬دخلت‭ ‬فيها‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬العشر‭ ‬الأخيرة،‭ ‬في‭ ‬الخط‭ ‬الأول‭ ‬للمواجهة‭ ‬مع‭ ‬تدفق‭ ‬موجات‭ ‬المهاجرين‭ ‬الأفارقة‭ ‬وغير‭ ‬الأفارقة‭ ‬الراغبين‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬أوروبا‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬قانوني‭ ‬عبر‭ ‬البوابة‭ ‬الليبية‭.‬
وبالتالي،‭ ‬كانت‭ ‬مسألة‭ ‬إرساء‭ ‬الأمن‭ ‬ومحاربة‭ ‬الهجرة‭ ‬غير‭ ‬النظامية‭ ‬تمثل‭ ‬الأولوية‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬إيطاليا‭. ‬وقد‭ ‬أبرمت‭ ‬اتفاقات‭ ‬مع‭ ‬الحكومة‭ ‬الليبية‭ ‬المعترف‭ ‬بها‭ ‬دوليا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭. ‬مقابل‭ ‬هذه‭ ‬الأجندة‭ ‬الإيطالية،‭ ‬فإن‭ ‬هاجس‭ ‬فرنسا‭ ‬هو‭ ‬أمني‭ ‬واقتصادي‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭: ‬المجموعات‭ ‬المتطرفة‭ ‬والثروات‭ ‬الباطنية‭ ‬مثل‭ ‬النفط‭ ‬واليورانيوم،‭ ‬علما‭ ‬أن‭ ‬أكبر‭ ‬مصانع‭ ‬مجموعة‭ ‬آريفا‭ ‬الفرنسية‭ ‬يوجد‭ ‬بدولة‭ ‬النيجر،‭ ‬كما‭ ‬سبق‭ ‬وأن‭ ‬أوضح‭ ‬الصحافي‭ ‬والمحلل‭ ‬السياسي‭ ‬عبد‭ ‬الرحمن‭ ‬أمبيريك‭ ‬لـ‮«‬القدس‭ ‬العربي‮»‬‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬نشرته‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬سابق‭.‬
وترى‭ ‬الباحثة‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬سلين‭ ‬جريزي‭ ‬في‭ ‬رد‭ ‬على‭ ‬سؤال‭ ‬لـ«القدس‭ ‬العربي‮»‬‭ ‬أن‭ ‬فرنسا‭ ‬حاولت‭ ‬استخدام‭ ‬قوتها‭ ‬الناعمة‭ ‬تارة‭ ‬بجمع‭ ‬الفرقاء‭ ‬في‭ ‬باريس،‭ ‬وتارة‭ ‬أخرى‭ ‬برفع‭ ‬نبرة‭ ‬خطابها‭ ‬ضد‭ ‬حليفها‭ ‬حفتر،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬تدرك‭ ‬تماما‭ ‬أنها‭ ‬تجدف‭ ‬ضد‭ ‬التيار،‭ ‬وليست‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬الإمساك‭ ‬بكل‭ ‬خيوط‭ ‬الوضع‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬تراه‭ ‬مربعها‭ ‬التاريخي‭ ‬مما‭ ‬يجعلها‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬مزايدات‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬نقل‭ ‬صراعات‭ ‬سواء‭ ‬مع‭ ‬جيرانها‭ ‬الأوروبيين‭ ‬أو‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬أخرى،‭ ‬وفق‭ ‬جريزي‭.‬
ووسط‭ ‬الخلاف‭ ‬الفرنسي‭-‬الإيطالي‭ ‬حول‭ ‬مقاربتيهما‭ ‬بشأن‭ ‬الملف‭ ‬الليبي؛‭ ‬دخلت‭ ‬ألمانيا‭ ‬حليفتهما‭ ‬في‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬على‭ ‬الخط‭ ‬وأصبحت‭ ‬صوت‭ ‬أوروبا‭ ‬لحل‭ ‬الأزمة‭ ‬الليبية‭ ‬سياسياً‭. ‬ودعت‭ ‬المستشارة‭ ‬الألمانية‭ ‬أنغيلا‭ ‬ميركل‭ ‬إلى‭ ‬مؤتمر‭ ‬برلين‭ ‬حول‭ ‬ليبيا‭ ‬الذي‭ ‬عقد‭ ‬في‭ ‬19‭ ‬تشرين‭ ‬الثاني‭/‬نوفمبر‭ ‬عام‭ ‬2020‭ -‬أي‭ ‬بعد‭ ‬نحو‭ ‬14‭ ‬شهراً‭ ‬من‭ ‬بدء‭ ‬حملة‭ ‬قوات‭ ‬حفتر‭ ‬ضد‭ ‬طرابلس‭ – ‬وجمع‭ ‬حكومات‭ ‬الجزائر‭ ‬والصين‭ ‬ومصر‭ ‬وفرنسا‭ ‬وألمانيا‭ ‬وإيطاليا‭ ‬وروسيا‭ ‬وتركيا‭ ‬وجمهورية‭ ‬الكونغو‭ ‬والإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬والمملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وممثلين‭ ‬عن‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬بمن‭ ‬فيهم‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬وممثله‭ ‬الخاص‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأفريقي‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬وجامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭. ‬وقد‭ ‬تمثلت‭ ‬أهداف‭ ‬المؤتمر‭ ‬الرئيسية‭ ‬في‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬توافق‭ ‬في‭ ‬الآراء‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬المعنية‭ ‬بالأزمة‭ ‬الليبية‭ ‬وتأمين‭ ‬مظلة‭ ‬دولية‭ ‬لحماية‭ ‬الحوارات‭ ‬الليبية‭ ‬حول‭ ‬مستقبل‭ ‬البلد،‭ ‬وفق‭ ‬برلين‭ ‬والأمم‭ ‬المتحدة‭.‬

تركيا‭ ‬تقلب‭ ‬الموازين‭ ‬

والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬التدخل‭ ‬التركي‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬لدعم‭ ‬لقوات‭ ‬التابعة‭ ‬لحكومة‭ ‬طرابلس‭ ‬المعترف‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬والهزيمة‭ ‬المدوية‭ ‬التي‭ ‬تعرضت‭ ‬لها‭ ‬قوات‭ ‬المشير‭ ‬خليفة‭ ‬حفتر‭ ‬في‭ ‬حزيران‭/‬يونيو‭ ‬الماضي،‭ ‬شكلا‭ ‬ضربة‭ ‬مدوية‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬داعمي‭ ‬هذا‭ ‬الأخير‭ ‬الذي‭ ‬وجد‭ ‬نفسه‭ ‬مضطراً‭ ‬إلى‭ ‬التهدئة‭ ‬والتوقيع‭ ‬على‭ ‬اتفاق‭ ‬لوقف‭ ‬النار‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الانتكاسة‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬تعرضت‭ ‬لها‭ ‬قواته‭. ‬ومنذ‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬فقدت‭ ‬فرنسا‭ ‬صوتها‭ ‬في‭ ‬الملف‭ ‬الليبي‭ ‬على‭ ‬الصعيدين‭ ‬العسكري‭ ‬والدبلوماسي،‭ ‬مقابل‭ ‬هيمنة‭ ‬تركيا‭ ‬وروسيا‭ ‬على‭ ‬غرب‭ ‬وشرق‭ ‬ليبيا‭ ‬على‭ ‬التوالي،‭ ‬والتي‭ ‬سمحت،‭ ‬تحت‭ ‬رعاية‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬عبر‭ ‬إطلاق‭ ‬محادثات‭ ‬سلام‭ ‬بعد‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النّار‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬التوقيع‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬23‭ ‬تشرين‭ ‬الأول‭/‬أكتوبر‭ ‬الماضي‭ ‬في‭ ‬جنيف‭ ‬برعاية‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭. ‬يقضي‭ ‬هذا‭ ‬الاتفاق‭ ‬برحيل‭ ‬القوات‭ ‬الأجنبية‭ ‬والمرتزقة‭ ‬في‭ ‬غضون‭ ‬90‭ ‬يوما‭. ‬وهي‭ ‬مهلة‭ ‬انتهت‭ ‬قبل‭ ‬أسبوعين‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تنفيذ‭ ‬بنود‭ ‬هذا‭ ‬الاتفاق‭ ‬الذي‭ ‬توصلت‭ ‬إليه‭ ‬اللجنة‭ ‬العسكرية‭ ‬الليبية‭ ‬المشتركة‭ ‬المعروفة‭ ‬بـ5‭+‬5‭.‬
وشهدت‭ ‬نهاية‭ ‬عام‭ ‬2020‭ ‬وبداية‭ ‬2021‭ ‬جهودا‭ ‬مكثفة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المملكة‭ ‬المغربية‭ ‬التي‭ ‬عادت‭ ‬دبلوماسيتها‭ ‬حيال‭ ‬ليبيا‭ ‬إلى‭ ‬الواجهة‭ ‬مجددا‭ ‬بعد‭ ‬نحو‭ ‬خمسة‭ ‬أعوام‭ ‬من‭ ‬اتفاق‭ ‬الصخيرات‭. ‬فقد‭ ‬احتضت‭ ‬مدينة‭ ‬بوزنيقة‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬العاصمة‭ ‬الرباط‭ ‬جولات‭ ‬للحوار‭ ‬بين‭ ‬ممثلين‭ ‬عن‭ ‬طرفي‭ ‬الأزمة‭ ‬الليبية‭ (‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للدولة‭ ‬في‭ ‬طرابلس‭ ‬وبرلمان‭ ‬طبرق‭) ‬توسطها‭ ‬حوار‭ ‬ليبي‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬برعاية‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬تشرين‭ ‬الثاني‭/‬نوفمبر‭. ‬وتمخض‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الجهود‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬المكثفة‭ ‬اتفاق‭ ‬على‭ ‬توزيع‭ ‬المناصب‭ ‬السيادية‭ ‬بين‭ ‬الأقاليم‭ ‬الثلاثة‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬وإجراء‭ ‬انتخابات‭ ‬عامة‭ ‬في‭ ‬كانون‭ ‬الأول‭/‬ديسمبر‭ ‬المقبل‭ ‬لتشكيل‭ ‬سلطة‭ ‬تنفيذية‭ ‬موحدة‭. ‬وقبل‭ ‬ذلك‭ ‬اختيار‭ ‬حكومة‭ ‬مؤقتة‭ ‬موحدة‭ ‬تشرف‭ ‬على‭ ‬الفترة‭ ‬الانتقالية‭.‬
ويبدو‭ ‬أن‭ ‬التنافس‭ ‬مع‭ ‬تركيا‭ ‬والعناد‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬إدانة‭ ‬تصرفات‭ ‬الإمارات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬الليبية،‭ ‬هي‭ ‬أمور‭ ‬ضغطت‭ ‬على‭ ‬فرنسا‭ ‬في‭ ‬قراراتها‭ ‬المتعلقة‭ ‬بليبيا،‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬ألمانيا‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬حيث‭ ‬فضلتا‭ ‬في‭ ‬الأشهر‭ ‬الأخيرة‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬حفتر‭ ‬والسراج‭. ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬قالته‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬لاكروا‮»‬‭ ‬الفرنسية‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬نشرته‭ ‬يوم‭ ‬25‭ ‬تشرين‭ ‬الثاني‭/‬نوفمبر‭ ‬الماضي‭. ‬
وقد‭ ‬يسعى‭ ‬الفرنسيون‭ ‬إلى‭ ‬الترويح‭ ‬عن‭ ‬أنفسهم‭ ‬بعد‭ ‬فشل‭ ‬مساعيهم‭ ‬في‭ ‬لعب‭ ‬دور‭ ‬مهم‭ ‬في‭ ‬الملف‭ ‬الليبي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التعويل‭ ‬على‭ ‬خط‭ ‬يرون‭ ‬أنه‭ ‬سيفرض‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬بعد‭ ‬عودة‭ ‬الاستقرار‭ ‬إلى‭ ‬ليبيا‭ ‬ويتمثل‭ ‬في‭ ‬حرص‭ ‬قيادات‭ ‬ليبيا‭ ‬على‭ ‬المديين‭ ‬المتوسط‭ ‬والبعيد‭ ‬على‭ ‬ربط‭ ‬علاقات‭ ‬متوازنة‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭ ‬والمتوسطة‭ ‬لكسب‭ ‬معركة‭ ‬التنمية‭ ‬وهي‭ ‬الأهم‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬شهدت‭ ‬منذ‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬ثورات‭ ‬أو‭ ‬انتفاضات‭ ‬أو‭ ‬نزاعات‭. ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬فرنسا‭ ‬تدرك‭ ‬في‭ ‬قرارة‭ ‬نفسها‭ ‬أن‭ ‬عليها‭ ‬إعادة‭ ‬طريقة‭ ‬تعاملها‭ ‬مع‭ ‬ليبيا‭ ‬بشكل‭ ‬يتجاوز‭ ‬بكثير‭ ‬حدود‭ ‬الهواجس‭ ‬الأمنية‭ ‬والرغبة‭ ‬في‭ ‬حصول‭ ‬مكان‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬الليبية‭. ‬ويقول‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المطلعين‭ ‬على‭ ‬ملف‭ ‬العلاقات‭ ‬الفرنسية‭ ‬الليبية‭ ‬منذ‭ ‬عهد‭ ‬معمر‭ ‬القذافي‭ ‬وما‭ ‬قبل‭ ‬ذلك،‭ ‬إن‭ ‬مراجعة‭ ‬المنهجية‭ ‬الفرنسية‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬ليبيا‭ ‬مراجعة‭ ‬شاملة‭ ‬أمر‭ ‬ضروري‭ ‬حتى‭ ‬تكون‭ ‬لفرنسا‭ ‬مكانة‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬التنموي‭ ‬الذي‭ ‬سيكون‭ ‬أهم‭ ‬ورشة‭ ‬مطروحة‭ ‬على‭ ‬القيادات‭ ‬الليبية‭ ‬المقبلة‭ ‬للخروج‭ ‬مما‭ ‬يصفه‭ ‬البعض‭ ‬بــ«العشرية‭ ‬السوداء‮»‬‭.‬

تعليقات