العنصر القبلي سينتهى بمجرد اقرار النظام الاساسي القائم على دستور دائم و عناصر التشكيلات العسكرية يريدون تسليم اسلحتهم الى حكومة موحدة.

حـاوره رشيـد خشـانة – اعتبر الباحث الليبي الدكتور مصطفى رحاب أن اعتماد الدستور الليبي المعدل عام 1963 أفضل من سن دستور جديد. وأكد في حوار مع “القدس الأسبوعي” أن الكثير من عناصر التشكيلات العسكرية سئموا وضعهم الحالي، وهم يريدون تسليم اسلحتهم الى حكومة موحدة، قادرة على حمايتهم من تبعات الماضي، وأنهم قابلون بتطبيق القانون على المخطئ منهم. وقال رحاب، وهو باحث في “مركز ليبيا للدراسات الاستراتيجية والمستقبلة” بطرابلس، “إن هذا ممكن عبر إيجاد برامج إعادة تأهيل، وإدماج افراد من هذه المجموعات واحتكار الدولة دون سواها للسلاح”. وهنا نص الحوار:

* كثيرا ما يُقال إن سبب مشاكل ليبيا يأتي من نخبتها السياسية، التي لم تُنصت إلى أعماق المجتمع، هل تشاطر هذا الرأي؟

– بلى، النخبة السياسية تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية عما يحدث، إضافة الى التدخل الاجنبي عن طريق هذه النخب.

* هناك خلاف بين من يعتقد أن العهد السابق ترك مؤسسات دولة، لكنها تعطلت بسبب الحرب، ومن يقول إن النظام السابق لم يترك شيئا لمن جاء بعده، أيهما أقرب إلى الحقيقة برأيك؟

– الأقرب الى الحقيقة أننا لا يمكننا النظر الى الحاضر بمعزل عن الماضي، لان المؤسسات في العهد السابق مختزلة في شخص الحاكم ومريديه. وبمقتل رأس النظام تهاوت مؤسسات الدولة ولم يعد لها وجود، وعلى الخصوص المؤسسة الأمنية والمؤسسة العسكرية.

* لماذا لم تُبن أحزاب مع انطلاق مسار الانتقال الديمقراطي، مثلما كان الشأن في بعض البلدان العربية والأجنبية؟

– السبب الرئيس لعدم وجود احزاب سياسية تساهم في الانتقال الديمقراطي، هو التصحر السياسي، الذي ساد الحياة السياسية في ليبيا طيلة الفترة من 1951 الى 1969 ، وكذلك المدة الفاصلة بين 1969 و2011، فكانت الاحزاب محظورة في العهد الملكي ومحرمة في عهد القذافي، إذ لم تعرف الحياة السياسية أية مشاركة للأحزاب لعدم وجودها، وبالتالي عدم تأثيرها في العمل السياسي. وحتى بعد ثورة 2011 لم يكن للأحزاب السياسية دور فعال في الانتقال الديمقراطي لانعدام الخبرة لدى القائمين عليها من جهة، اضافة الى ذلك ارتباط الاحزاب في ليبيا بشخص، وليس ببرنامج سياسي وحتى ان وجدت فإن برامجها وأفكارها لا تتماشى مع متطلبات المرحلة، وفق الواقع المعيش من جهة اخرى، ما ترك مجالا لبروز العنصر القبلي و المناطقي في إدارة شؤون الدولة.

*أيهما أفضل برأيك: تعديل دستور 1951 الملكي أم كتابة دستور جديد والاستفتاء عليه؟

– نعم الدستور الليبي المعدل عام 1963 أفضل من كتابة دستور جديد، فهو يحتاج فقط الى إعادة تعديله من قبل لجنة مختصة ليتماشى مع التغييرات الحالية. ويمكن الاعتماد عليه لإعادة تأسيس الدولة الليبية واجراء الانتخابات على اساسه، لأنه كان ومازال من أفضل الدساتير، فما تضمنه من احكام لم تتضمنها الدساتير الحديثة الا مؤخرا .

* هل تعتقد أن الوقت المتبقي إلى موعد الانتخابات العامة (24 ديسمبر المقبل) يكفي لإجراء استفتاء على الدستور ثم انتخابات عامة ذات مصداقية؟

– إذا صدقت النوايا وتوافرت الظروف الأمنية على الخصوص، وتوقفت التداخلات الخارجية، فإننا قادرون على ذلك.

* ما هو المنهج البديل برأيك؟

– لا بديل لغير التوافق بعيدا عن التدخلات والاجندات الخارجية وكما ذكرت اعلاه لدينا الاساس الدستوري يمكننا الاعتماد عليه .

الفساد ينتشر ويتوسع

* يكثر الحديث عن انتشار الفساد هذه الأيام، بماذا تفسر أن الظاهرة تفاقمت بعد الثورة ولم تتقلص؟

– الفساد منتشر منذ عقود وبشكل ممنهج، وليس وليد اللحظة. وسبب استمراره وتفاقمه يكمن في غياب اجهزة إنفاذ القانون.

* هناك تداخل يزداد رسوخا بين السياسة والمال، وهذا خطر على الديمقراطية، فكيف يمكن الفصل بينهما؟

– علاقة السياسيين بالمال الفاسد ليست بجديدة في عالم السياسة، بل الجديد فيها تغير الاساليب ووسائل التأثير. وليبيا ليست بمعزل عن هذا، إلا أنه اتخذ اسلوبا لم نعهده من قبل، وهو نشوء وسائل اعلامية في الخارج والداخل (صحف، محطات مرئية ومسموعة، ومواقع على صفحات التواصل الاجتماعي)، وبتمويل خارجي وداخلي لتمرير أجندات معينة جعلت ليبيا ميدانا للتنافس غير الشريف بُغية السيطرة على مواقع اتخاذ القرار ومختلف المؤسسات، وطالت حتى مصدر الدخل الأهم في ليبيا، وهو الحقول النفطية وموانئ تصديره، والبنوك وغيرها، وفي كثير من الاحيان استعمال المال لتسخير الكتائب المسلحة، في ظل غياب سيطرة الدولة عليها. وهذا ما يشكل تأثيرا مباشرا للمال في مجريات الاحداث السياسية. ولا يمكن فصل السياسة عن مؤثرات المال إلا اذا اعيد تفعيل الهيئات الرقابية ومؤسسات تطبيق القانون، وفرض نوع من الشفافية لمعرفة مصادر تمويل الاحزاب ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الاعلام، وهذا في اعتقادي لن يتأتى الا بقيام دولة الحق والقانون.

خطة للامركزية الادارية والاقتصادية

* مع المداولات التي جرت في اجتماعات المنتدى السياسي الليبي برز موضوع العدل بين المناطق، وتحدث المشاركون الآتون من الجنوب عن تهميش منطقتهم وغياب الدولة عنها منذ سنوات، إلى أي مدى يُهدد هذا الشعور بالإهمال تماسك البلد ووحدة المجتمع؟

– موضوع العدل بين مختلف مناطق البلاد لا يكمن في توزيع الثروة بينها، كما يزعم البعض، ويتخذه في بعض الاحيان حتى ذريعة للتقسيم، لكن يمكن تحقيقه في المساواة بين مختلف المناطق في التنمية، وفق خطة تعتمد اللامركزية الادارية والاقتصادية، وتقسيم البلاد الى مناطق وأقطاب اقتصادية وتنموية تُراعى فيها خصوصيات كل منطقة، بحيث يتمتع المواطن، أينما كان، بنفس مستوى الخدمات والفرص المتاحة في العاصمة والمدن الكبرى، وهذا الوضع لا يؤثر في تماسك البلاد ووحدة المجتمع لان ما يجمع بيننا أكبر مما يفرق.

* ينفي كثير من الباحثين الليبيين أن يكون للمعطى القبلي تأثير اليوم في مجريات الأحداث السياسية في بلدهم، هل تشاطر هذا الرأي؟

نظام أساسي قائم على دستور دائم

التأثير القبلي، بالرغم من أثره المحدود، إلا أنه كان وسيلة لتوطيد انظمة الحكم المتعاقبة على ليبيا، منذ العهد التركي الى عام 2011 ، وفي نهاية عهد القذافي بالغ في الاعتماد على المعطى القبلي، بل وصل به الأمر الى تسليح الكثير من القبائل لمؤازرته ضد الثوار. وبتخليه عن تأمين الحراسة الكافية لمخازن السلاح جعلها غنيمة لهذه القبائل، وشُكلت بها كتائب مسلحة كان لها أثر في تحرير العاصمة ومختلف المدن، التي كانت تحت سيطرة كتائب النظام. ولذلك بقي هذا التأثير القبلي على مجريات الاحداث، وان بصورة مختلفة، تعتمد على المحاصصة بين الاقاليم الليبية الثلاثة. لكنني أري ان أثره يبقى محدودا، وسينتهى بمجرد اقرار النظام الاساسي للدولة، القائم على الدستور الدائم.

* حديثك عن المحاصصات يُذكرني بأن الاتفاقات السياسية الليبية سواء في الصخيرات أم في جنيف لاحقا، خضعت لمنطق المحاصصة، ألا ترى في ذلك تهديدا للمسار الديمقراطي؟

– فُرض علينا اللجوء إلى المحاصصة، التي أراها فعلا تهدد المسار الديمقراطي، من أجل الخروج من الوضع الحالي، الذي وصل بنا الى حالة من التشظي، على مختلف الأصعدة، أملا في أن تتم الانتخابات، لتنبثق منها سلطات موحدة، بمؤسساتها التشريعية والتنفيذية، القائمة على الفصل بين السلطات، لكي تضع قطار الدولة الديمقراطية المنشودة على سكته، وكي نلتفت أيضا الى بناء ما تبقى من وطن اسمه ليبيا، ليكون وطنا يسع الجميع. وأنا متفائل جدا بقدرتنا على تحقيق ذلك، بعيدا عن التداخلات العابرة للحدود.

* ألا ترى أن انتشار السلاح يشكل اليوم عقبة في طريق العملية السياسية، كيف يمكن التعاطي مع الظاهرة برأيك؟

نعم وجود السلاح ظاهريا يعتبر عقبة في طريق نجاح العملية السياسية، لكنني، وبحكم مشاركتي في الكثير من اللقاءات المخصصة للنظر في كيفية التعامل مع التشكيلات المسلحة وانتشار السلاح، والتي تمت بمركز ليبيا للدراسات الاستراتيجية والمستقبلة الذي اسسناه رفقة زملائي في أواخر 2011، والتي تمت برعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، والعديد من المنظمات الدولية ذات العلاقة، أرى أن الكثير من عناصر تلك التشكيلات سئموا وضعهم الحالي، وهم يريدون تسليم اسلحتهم الى حكومة موحدة، قادرة على حمايتهم من تبعات الماضي، وقبولهم بتطبيق القانون على المخطئ منهم، وهذا ممكن عبر إيجادد برامج إعادة تأهيل، وإدماج افراد هذه المجموعات، واحتكار الدولة دون سواها للسلاح.

* بحسب منظمة اليونيسف هناك 378.000 طفلا في حاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة في ليبيا، كيف يمكن تأمين تلك المساعدات؟ وهل الدولة قادرة على ذلك في ضوء الأوضاع الراهنة؟

– ليبيا بما حباها الله من موارد وأموال مجمدة قادرة على تأمين تلك المساعدات، اذا توافرت لها فرص نهوض الدولة، كما أشرت سلفا، وطبعا بمساعدة المنظمات الدولية والدول الصديقة.

* كانت للحرب آثارٌ مدمرة على الشباب، كيف تصف كباحث مفاعيل الحرب على الجيل الحالي من الأطفال؟

نعم للحرب في ليبيا آثار مدمرة، كما في غيرها من مناطق العالم الأخرى التي مرت بنفس الظروف و لها آثار سلبية على الشباب والأطفال من الجيل الحالي وقد يمتد الى الاجيال القادمة ولو بطريق غير مباشر نأمل ان نتمكن من تجاوزها عبر منظومة تربوية وتعليمية تركز على نسيان الماضي وتأهيل الجيل الحالي للنظر الى المستقبل وجعل الشباب عنصر من عناصر انتاج الثروة الوطنية بدلا من الدولة الريعية السائدة الآن وتسخير الثروات المتوفرة لدينا لبرامج تنموية مع الاحتفاظ بجزء يدخر للأجيال القادمة .

تعليقات