حاوره: رشيد خشانة

*كيف تنظر الولايات المتحدة إلى التشكيلة الحكومية الجديدة في ليبيا؟ وماذا قلتم لرئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي خلال لقائكم معه؟

**كما قال وزير الخارجية بلينكن لرئيس الوزراء الدبيبة، في مكالمته الهاتفية يوم 22 آذار/مارس، ترحب الولايات المتحدة بتشكيل حكومة الوحدة المؤقتة الجديدة، والتي توفر فرصة تاريخية لليبيين لوضع بلادهم على طريق دائم نحو الاستقرار والديمقراطية. ونعتزم دعم هذه العملية من خلال نهج «مزدوج المسار» من المشاركة الدبلوماسية المعززة، داخليا مع حكومة وشعب ليبيا، وخارجيا مع الجهات الفاعلة الدولية، التي تلعب دورا في مستقبل ليبيا. وقمت بنقل هذه الرسالة نفسها إلى رئيس المجلس الرئاسي المنفي عندما التقينا في طبرق، مع الاشارة إلى أنّ المجلس الرئاسي سيلعب دورا مهما بالتنسيق مع الوزارات في ضمان أن تحظى جميع أجزاء ليبيا باهتمام الحكومة.

وجود العديد من القوات على مقربة من بعضها البعض يشكل خطرا كبيرا

* صادق الكونغرس على «قانون الاستقرار في ليبيا» كيف سيتجسد هذا القانون على الأرض؟
**تم تقديم قانون الاستقرار الليبي في كل من مجلس النواب الأمريكي ومجلس الشيوخ؛ ولم يتم اعتماده بعد. وقد شاركتُ في مؤتمر عبر الهاتف بتاريخ 19 آذار/مارس مع النائب تيد دويتش، رئيس اللجنة الفرعية لمجلس النواب الخاصة بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلى جانب أعضاء آخرين في تلك اللجنة وموظفيهم، للإجابة على الأسئلة حول الكيفية التي يمكن أن يدعم بها هذا التشريع الانتقال السياسي في ليبيا بأكثر فعالية. وإذا ما تمّ سنّ هذا التشريع ليصبح قانونا، فإنّه سيعيد التأكيد على اهتمام الكونغرس بدعم الانتخابات في 24 كانون الأول/ديسمبر، ومساعدة الحكومة على تقديم خدمات أفضل للشعب الليبي، ويساعد في معالجة محنة المهاجرين وإخراج القوات الأجنبية، وفي مجالات اقتصادية وإنسانية أخرى.

* لكن مفوض العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بورال اعتبر أن إخراج المرتزقة من ليبيا أمر غير سهل، ومن المعروف أن الحكومة الليبية لا تملك القوة اللازمة لإبعاد تلك المجموعات، فهل تفكرون في عقوبات أو أي إجراءات رادعة لحملها على مغادرة البلد؟
**الأداة الأكثر فاعلية لتحقيق رحيل المرتزقة الأجانب هي حكومة ليبية منتخبة ديمقراطيا تتمتع بالسلطات الكاملة مع تفويض لاستعادة سيادة البلاد. وستكون هذه الحكومة نتيجة انتخابات 24 كانون الأول/ديسمبر. وفي غضون ذلك، تحدث رئيس الوزراء الدبيبة بقوة ضدّ وجود القوات الأجنبية، وستستخدم الولايات المتحدة ودول أخرى في المجتمع الدولي نفوذها الدبلوماسي لدعم دعوته للرحيل الفوري لهذه العناصر المسلحة. وتظل العقوبات أداة تحت تصرف المجتمع الدولي ضدّ أولئك الذين يواصلون انتهاك حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة.

* هل هناك خشية من تجاوز الحكومة الجديدة السقف الزمني المحدد لها، مثلما حدث مع حكومة السراج، خاصة أن معضلة المرجعية الدستورية لم تحل؟
**هناك عوامل قوية تدعو إلى إجراء الانتخابات في 24 كانون الأول/ديسمبر 2021، على النحو الذي دعت إليه خريطة الطريق المنبثقة من منتدى الحوار السياسي الليبي. والشعب الليبي يطالب بذلك. وهي الأدوات الرئيسية لتأمين مغادرة المرتزقة الأجانب والقوات العسكرية. ونحن واثقون من أن الليبيين مستعدون للاتفاق على أساس دستوري لإجراء الانتخابات في موعدها المحدد، وأن الحكومة المؤقتة ستوجد البيئة اللازمة المواتية لإجراء الانتخابات في 24 كانون الأول/ديسمبر.

نشهد تأكيدا متجددا على الحل السياسي من جانب العديد من الشركاء الدوليين

* ما زال اتفاق وقف إطلاق النار ساريا على عكس اتفاقات سابقة اُنتُهكت بسرعة، هل ثمة احتمال لتفجير الوضع العسكري من جديد، وهو ما تكرر في السابق، خاصة أن السلاح ما زال يتدفق على الفريقين المتخاصمين؟ وكيف يمكن للأمم المتحدة أن تفرض حظرا حقيقيا على السلاح؟
**هذا هو أحد أكثر جوانب الوضع الليبي تحديا. فقد دأبت العديد من الأطراف على انتهاك حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة والالتزامات التي تعهدت بها في قمة برلين في كانون الثاني/يناير 2020. وذكر سفيرنا لدى الأمم المتحدة روسيا والإمارات العربية المتحدة وتركيا في ملاحظاته أمام مجلس الأمن، ويشجعني أن غالبية الأطراف الخارجية المهتمة تدرك، كما يبدو، أن الخيار العسكري سيقوض نفوذها لدى الشعب الليبي، ولن يخدم مصالحها الوطنية.
إننا نشهد تأكيدا متجددا على الحل السياسي من جانب العديد من الشركاء الدوليين، وهذه هي الديناميكية التي نريد تعزيزها. وبالطبع، تحتفظ الأمم المتحدة أيضا ببعض العقوبات والجزاءات التي يمكن تطبيقها على أولئك الذين ينتهكون حظر الأسلحة. ويجب ألا ننسى أنّ هناك ميليشيات محلية قد تخضع أيضا لهذه العقوبات؛ من المهم أن تتم عملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج للجهات المسلحة التي تم فحصها على النحو المناسب من دون تأخير.

* انسحبت قوات «فاغنر» إلى مسافة 500 كلم شرق طرابلس في قاعدة الجفرة الجوية، كما أن طائرات ميغ وسوخوي رابضة في قواعد ليبية، فهل يمكن تحقيق تقدم على المسار السلمي، في ظل هذا الحضور الأجنبي؟
**كما قلت، يشجعني ما يبدو أنه اهتمام متزايد من جانب معظم الفاعلين الدوليين بدعم حل سياسي وتجنب التصعيد العسكري. بعض القوات الأجنبية بدأت في الانسحاب. وقد مكّن الجمود العسكري غير المستقر في وسط ليبيا من تنشيط العملية السياسية، لكن وجود العديد من القوات على مقربة من بعضها البعض يخلق خطرا كبيرا لوجود سوء التقدير، لذا سيكون الجميع أفضل حالا عندما تغادر هذه القوات.

* وماذا تقولون لبقية الدول التي أرسلت قوات وأقامت قواعد عسكرية في ليبيا؟
**أعتقد أن ليبيا ستكون في وضع أفضل إذا ما احترم جميع أولئك الذين لديهم قوات عسكرية على الأرض، دعوة اللجنة العسكرية المشتركة «5 + 5» ورئيس الوزراء الدبيبة جميع القوات العسكرية الأجنبية للرحيل. ويمكن أن يبدأ هذا بخطوات تدريجية، تبدأ بالمرتزقة والمقاتلين الأجانب، مما يؤدي إلى تخفيضات متبادلة ومتوازنة في القوة تُتوج بالتثبت من مغادرة جميع القوات الأجنبية. والليبيون أنفسهم مستعدون لصنع السلام مع بعضهم البعض، لذلك لا حاجة لهذه القوات العسكرية الخارجية.

* التحضير للاستفتاء هو أقرب الاستحقاقات المُترتبة على الحكومة الجديدة، هل تتوقعون أن الوقت كاف لإجراء الاستفتاء؟ وهل سيكون رئيس مجلس النواب قادرا على عقد جلسة للمجلس؟
**إجراء استفتاء من عدمه هو أمر سيقرره الليبيون. أعلم أن ثمة من يعتقد أن هناك أساسا دستوريا مناسبا بالفعل للانتخابات. وأعلم أيضا أن هناك من يريد استخدام الاستفتاء وسيلة لتأجيل الانتخابات، لكن كيفية حل هذا الأمر لا تعود في النهاية إلى المجتمع الدولي ليبت فيه. إنه قرار ليبي. والمؤسسات الليبية، من مجلس نواب ومجلس دولة ومنتدى حوار سياسي ليبي، عليها مسؤولية الحفاظ على تقدّم العملية السياسية لمصلحة الشعب الليبي.

* قال رئيس المفوضية العليا للانتخابات عماد السائح في ملتقى جنيف إنه يحتاج إلى 50 مليون دينار ليبي لتنظيم الانتخابات، واجتمع لهذا الغرض مع بعثات الدول الديمقراطية، التي ساعدت ليبيا في الماضي، هل تتوقعون الاستجابة لمساعيه؟
**يشجعني أنّ الحكومة في طرابلس قد خصصت بالفعل تمويلا كبيرا للمفوضية لإجراء الانتخابات. ومع تشكيل الحكومة المؤقتة الجديدة، والتحرك باتجاه موازنة موحدة، أتوقع أن يتمكن السياسيون الليبيون من الاتفاق على تخصيص موارد مناسبة من الاحتياطات المالية الحالية لليبيا لتمويل الانتخابات، التي تمثل أولوية قصوى لتأمين مستقبل البلاد.

جزءَ كبير من القتال في السنوات الأخيرة عبارة عن معركة للسيطرة على موارد ليبيا

* أكد السائح أيضا في الغردقة أن المفوضية تحتاج إلى ثلاثة أشهر لتجهيز البطاقة الانتخابية، وأربعة أشهر لإنجاز الاستفتاء على الدستور، هل تعتقدون أن هذه التقديرات واقعية؟
**تشير تعاملاتنا مع المفوضية الوطنية العليا للانتخابات إلى أنها منظمة ذات كفاءة عالية وأنا واثق من أن إرشادات الدكتور عماد السايح مستنيرة. كما أنني على ثقة من أنّ المفوضية الوطنية العليا للانتخابات ستكون قادرة على اتخاذ الترتيبات اللازمة للخطوة الأكثر أهمية، وهي إجراء الانتخابات في 24 كانون الأول/ديسمبر. كما أننا مستعدون من خلال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية للعمل مع الشركاء الدوليين لتوفير الموارد والدعم لهذه العملية المهمة للغاية. أريد فقط أن أشير إلى أهمية الدور غير السياسي للمفوضية، وإلى أن دعمنا سيسعى إلى تسهيل إجراء انتخابات حرة ونزيهة تحتسب أصوات جميع الليبيين.

* رصدت أجهزة المراقبة الأمريكية انتقال 14 طائرة من روسيا إلى مطار حميميم في سوريا حيث تم طلاؤها قبل أن تنتقل إلى قاعدة الجفرة في ليبيا، هل ما زالت تلك الطائرات هناك؟ وما موقفكم من وجود خبراء ومرتزقة روس في ليبيا؟
**أولا أود أن أذكر بالمواد التي نشرتها «أفريكوم» علنا بشأن نقل تلك الطائرات، والتي اعتبرناها تصعيدا خطيرا للوضع. وما زلنا ندعو إلى رحيل جميع المرتزقة الأجانب والقوات العسكرية. ونحن نفهم أن بعض قوات «فاغنر» قد انسحبت للسماح بانعقاد اجتماع مجلس النواب في سرت، ونعتقد أنّ هذا يوضح بالضبط أهمية استبعاد جميع القوى الخارجية للسماح للعملية السياسية بالتوسع بشكل طبيعي. وبمجرد مغادرة القوات الأجنبية للمنطقة، من المهم ألاّ تعود. ويجب اعتبار سحب القوات الأجنبية من سرت خطوة أولى في تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار. وأية عودة للقوات ستكون خطوة إلى الوراء.

الليبيون أنفسهم مستعدون لصنع السلام

* يوجد في ليبيا اليوم عشرات الآلاف من النازحين من مدنهم، كما أن أعدادا كبيرة من الأكاديميين والنخب الاقتصادية غادروا البلاد بعد أن عادوا إليها للمشاركة في مشاريع الإعمار، كيف يمكن إعادة الأمل من جديد لليبيين نُخبا ومواطنين؟
**ليبيا محظوظة لأنها ليست دولة فقيرة، وأنا على ثقة من أنه بمجرد استعادة الاستقرار السياسي، ستنهض بسرعة على قدميها وتوفر الفرصة لمواطنيها الموهوبين. على سبيل المثال، ليبيا تحظى بتموقع جغرافي مناسب لتكون بوابة لأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، التي توفر موارد ضخمة من حيث الطاقة الشمسية، ويمكن أن تكون رائدة في الاتصالات الإقليمية، لذلك أرى مستقبلا مشرقا لهذا البلد الضخم.

*أعلنت الإدارة الأمريكية تمديد حالة الطوارئ الوطنية في ما يتعلق بليبيا لمدة عام واحد بدءا من 25 شباط/فبراير الماضي، وأرجع الرئيس بايدن هذا القرار إلى تهديد الوضع الليبي للأمن القومي، هل يمكنكم تفسير ذلك؟
**كانت هذه خطوة فنية في الأساس تهدف إلى الإبقاء على العقوبات الأمريكية التي يمكن تطبيقها على أولئك الذين يعرقلون السلام والعملية السياسية في ليبيا.

* تقول الولايات المتحدة إنها حريصة على حماية أصول الدولة الليبية، كي لا يتم اختلاسها من الأطراف المصممة على تقويض عملية السلام الجارية، وخاصة من أتباع القذافي، فما مدى جدية هذا التهديد في رأيكم؟
**كان جزءَ كبير من القتال في السنوات الأخيرة عبارة عن معركة للسيطرة على موارد ليبيا، أي النفط والعائدات التي تتحقق من مبيعاته. وسيكون من الخطأ الفادح الإفراج عن الأصول الليبية المجمدة دوليّا، قبل وضع ترتيب سياسي مستقر، لأن هذا قد يؤدي إلى تجدد القتال من أجل السيطرة على تلك الأصول. وستدعم الولايات المتحدة استمرار إشراف الأمم المتحدة على هذه الأصول، طالما كان ذلك ضروريا، للتأكد من أنه بمجرد الإفراج عنها، بموجب الضمانات المناسبة، وبالتشاور مع الحكومة الليبية المنتخبة، يتم استخدامها لصالح جميع الليبيين ولا تصبح سببا للصراع.

تعليقات