لقاء رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي مع رئيس الوزراء اليوناني في طرابلس. (المكتب الإعلامي لرئيس المجلس الرئاسي)

 

بعد أزمة امتدت شهورًا طويلة، نتجت عن توقيع حكومة الوفاق السابقة برئاسة فائز السراج اتفاقية لترسيم الحدود البحرية مع تركيا في نوفمبر 2019، فإن رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي يجد نفسه في موضع للدخول في موقف شبيه، مع إعلانه الاتفاق مع اليونان على إجراء محادثات بشأن ترسيم المناطق البحرية.

رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس أكد في تصريحات، الأربعاء، بعد اجتماع مع المنفي أن طرابلس وأثينا اتفقتا على إجراء محادثات بشأن ترسيم مناطق البلدين البحرية في البحر المتوسط.

وأضاف أن اليونان تسعى إلى إعادة ضبط العلاقات مع ليبيا، «التي توترت بسبب توقيع حكومة طرابلس اتفاق الحدود البحرية العام 2019 مع تركيا، التي تتنازع مع اليونان على السيادة على مناطق بالبحر المتوسط».

لجنة فنية لمراجعة ترسيم الحدود
كانت الناطقة باسم الحكومة اليونانية، أريستوتيليا بيلوني، قالت الأسبوع الماضي إن ليبيا مستعدة لمناقشة قضية ترسيم المنطقة البحرية مع اليونان، بعد يوم من زيارة ميتسوتاكيس إلى طرابلس. وأشارت بيلوني في حديث إلى إذاعة «سكاي» اليونانية، الخميس الماضي، إلى أن السلطات الانتقالية الليبية اقترحت تشكيل لجنة فنية لمراجعة القضية. وفي المقابلة نفسها، شجبت بيلوني اتفاقية 2019 التي وقعتها حكومة الوفاق مع تركيا، ووصفتها بأنها «لا أساس لها» و«غير صالحة»، مضيفة أنها ألقت بظلالها على علاقات ليبيا مع اليونان، وكذلك مع الاتحاد الأوروبي.

كما طالب ميتسوتاكيس، خلال لقاء جمعه بنظيره عبدالحميد الديببة في طرابلس، الأسبوع الماضي بضرورة إلغاء الاتفاقية البحرية مع أنقرة، معتبراً أنها «غير قانونية». وقال: «بالطبع، من المهم جداً بالنسبة لنا؛ إلغاء الوثائق غير القانونية التي يتم تقديمها على أنها اتفاقات دولية، لكن ليس لها أي أساس قانوني مثلما صرح بذلك بوضوح مجلس أوروبا»، مؤكداً في الوقت ذاته أنه حان الوقت لترك كل شيء اختبر علاقاتهم مع ليبيا في الماضي القريب.

ونوه المسؤول اليوناني إلى أن بلاده ستفتتح سفارتها في طرابلس، وقنصلية في بنغازي، لافتاً إلى أن الشرط المسبق لأي تقدم في علاقات ليبيا مع الاتحاد الأوروبي، هو خروج القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا.

أما الديببة فشدد على أهمية حماية حقوق اليونان وتركيا، مشيراً إلى التوقيع على الاتفاقية مع تركيا بخصوص المنطقة الاقتصادية. وأضاف أن ليبيا مستعدة لتأسيس لجنة مشتركة مع اليونان لبدء محادثات بين جزيرة كريت وليبيا حول ترسيم حدود الاختصاصات البحرية والمنطقة الاقتصادية الخالصة.

وخلال زيارة الدبيبة إلى أنقرة بداية الأسبوع الجاري، قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إنه اتفق مع الدبيبة على الالتزام باتفاق ترسيم الحدود البحرية. وسلط الاجتماع الضوء على أن مذكرة التفاهم الموقعة بين تركيا وليبيا، بالأخص البحرية منها، «تحمل أهمية للمصالح المشتركة لكلا البلدين والاستقرار والتعاون الإقليميين وصحة المبادئ الواردة بها، والتعبير عن الإرادة للمضي قدماً في تأطيرها»، وفق بيان للمكتب الإعلامي لحكومة الوحدة الوطنية.

كما أكد اللقاء ضرورة عقد مؤتمر إقليمي لكل الأطراف، يدعم الحوار والتعاون في شرق البحر الأبيض المتوسط ينتهي لضمان حقوق الجميع.

طلب إيطالي لترسيم الحدود البحرية مع ليبيا
وغير بعيد عن العلاقات البحرية بين ليبيا وكل من تركيا واليونان، تقدمت إيطاليا في بداية فبراير الماضي بمشروع مذكرة لترسيم الحدود البحرية مع ليبيا، وذلك لدراستها وإبداء الرأي حولها، تمهيداً لتوقيعها من قبل الطرفين.

سفير إيطاليا لدى ليبيا، جوزيبي بوتشينو غريمالدي، قدم هذا الطلب إلى وزارة الخارجية بحكومة الوفاق خلال لقائه وكيل الوزارة للشؤون الفنية محمود التليسي.

وكان المفوض بوزارة الخارجية في حكومة الوفاق السابقة، محمد الطاهر سيالة، انتقد خلال ديسمبر الماضي ما سماه «مسارعة بعض الدول إلى توقيع اتفاقات لترسيم الحدود البحرية مماثلة للاتفاقية التي وقعتها حكومة الوفاق مع تركيا في نوفمبر 2019».

وشدد على أن الاتفاقية مع أنقرة «جاءت في إطار التعاون لتقاسم الموارد في المياه الاقتصادية الخالصة للبلدين استناداً إلى أسس قانونية وشرعية، محلية ودولية، وتم إيداعها وقبولها كإحدى وثائق الأمم المتحدة». وقال سيالة: «لاحظنا أن بعض الدول انتقدت وشككت في شرعيتها وسارعت إلى توقيع اتفاقات مماثلة وإقامة تحالفات جيوسياسية متعددة الأطراف مثل منتدى شرق المتوسط للغاز، التي في الواقع لم تكن مبنية على أسس وقواعد قانونية».

واعتبر أن «التطورات الأخيرة في منطقة شرق المتوسط وما تشهده حالياً من توترات وخلافات حول استغلال موارد الطاقة تنذر بانجرار الأوضاع إلى صدامات واشتباكات نحن في غنى عنها، وتدق ناقوس الخطر بضرورة معالجة هذه المشاكل بأسرع وقت ممكن».

الاتفاق الأزمة
ووقعت حكومة الوفاق وتركيا في 27 نوفمبر 2019 مذكرتي تفاهم، الأولى تتعلق بتحديد الصلاحيات البحرية والثانية خاصة بالتعاون في مجالات التعاون الأمني والعسكري، في خطوة أثارت ردود فعل واسعة النطاق على المستويات المحلية والإقليمية والدولية.

وفي الخامس من ديسمبر 2019، أقر المجلس الرئاسي للحكومة الليبية مذكرتي التفاهم، ودخلت مذكرة التفاهم المتعلقة بتحديد مناطق الصلاحية البحرية حيز التنفيذ رسمياً في 8 ديسمبر، وفي الخامس من الشهر نفسه صادق البرلمان التركي على مذكرة التفاهم المتعلقة بتحديد مناطق الصلاحية البحرية، وبعدها بسبعة أيام، تقدمت تركيا بطلب إلى الأمم المتحدة لتسجيل مذكرة التفاهم الموقعة مع ليبيا. وتسببت هذه الاتفاقات في تأثر العلاقات اليونانية مع طرابلس، وعلى إثرها طردت أثينا سفير حكومة الوفاق من اليونان. واعتبرت كل من مصر واليونان وفرنسا وقبرص أن تلك الاتفاقية بين أنقرة والوفاق تهدد الاستقرار الإقليمي.

وفي 27 يناير الماضي، قضت محكمة استئناف البيضاء «الدائرة الإدارية» بانعدام قراري المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق بشأن إبرام اتفاقيتي ترسيم الحدود البحرية، والتعاون الأمني والعسكري مع تركيا، وذلك في الدعوى التي رفعتها إدارة القضايا الجبل الأخضر، نيابة عن كل من رئيس مجلس النواب بصفته، ورئيس الحكومة الموقتة وقتها، ورئيس هيئة الرقابة الإدارية.

ونشر مجلس النواب، عبر موقعه الإلكتروني، صورة ضوئية للحكم وحيثياته. واختصمت الدعوى كلاً من رئيس المجلس الرئاسي السابق فائز السراج بصفته، ووزيري الخارجية والداخلية في حكومة الوفاق محمد سيالة وفتحي باشاغا.

وأشارت حيثيات الحكم إلى عدم أحقية إبرام وزراء حكومة الوفاق مثل تلك الاتفاقات «لأنهم لم يحصلوا على الثقة من مجلس النواب، الذي يعد الممثل للدولة الليبية في الخارج».

من جانبه، علق مجلس النواب على الحكم، قائلاً: إنه جاء لصالحه «في انعدام اتفاقات الغرض منها انتهاك السيادة الليبية».

تعليقات