أول عيد تشهده ليبيا دون حروب ودمار وأصوات للقنابل، وروائح للبارود، ومظاهر مسلحة تملأ الشوارع، فقد امتزجت الأعياد الماضية بين هجمات وعدوان على عاصمة ليبيا طرابلس، إلى مشاكل أمنية تتصاعد إلى اشتباكات مسلحة فحروب للسيطرة.

تجمع الليبيون منذ ساعات الصباح الأولى لتجهيز ميدان العاصمة طرابلس عروس البحر المتوسط لصلاة الفطر، والذي شهد سابقاً في أوقات كهذه مظاهرات للتنديد بقسوة ومرارة الحروب، ولتشييع من فقدوا خلالها.
ولأول مرة أيضاً تحتفل ليبيا بعيدها مع سلطة تنفيذية جديدة موحدة لشرق البلاد وغربها وجنوبها ورغم وجود بعض المنغصات وعدم قدرة الحكومة على السيطرة بشكل فعلي على كامل أرجاء البلاد إلا أنها وعلى الأقل معترف بها فيها، ومن كامل دول العالم.
فقد سادت هذا العيد أجواء من الأمل والتفاؤل لدى المواطنين والسعادة بانتهاء الحرب ولهفة الانتظار لانتخابات ديسمبر، والتي يضعون حولها الآمال بقدرتها على إنهاء كامل المعاناة التي يمرون بها على الأصعدة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
ولأن عيد هذا العام كان خالياً من الحروب استغل ميدان العاصمة الليبية لتنظيم وقفة تظامنية مع الفلسطينيين الذين أرعبتهم أصوات القنابل لأيام مطالبين بدعمهم ومدهم بما يحتاجونه لإنهاء هذه الحرب وتحرير أرضهم المدنسة والمضطهدة.
فعقب إتمام صلاة الفطر انطلق المصلون، بأعلام فلسطين وبهتافات تضامنية، وانضم معهم أفراد من الجالية الفلسطينية في ليبيا، المعروفون بعددهم الكبير منذ سنوات.
وقد ردد المتظاهرون مجموعة من الشعارات، أبرزها “بالروح بالدم نفديك يا أقصى”، “فلسطين عربية”.
كما شهدت اليوم السابق للعيد وقفات مماثلة في طرابلس في ذات الميدان، داعمة للقضية الفلسطينية ولأهل القدس وغزة ورافضة لعمليات تهجير الفلسطينيين من قبل قوات الاحتلال بحي الشيخ وقصفهم قطاع غزة.
وعلى صعيد أجواء المصالحة التي تزامنت مع عيد الفطر في ليبيا، أعلنت مؤسسة الإصلاح والتأهيل في العاصمة طرابلس، الخميس، الإفراج عن 78 سجيناً بناء على اتفاق جنيف الموقع في 23 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
وأكدت المؤسسة، في بيان، أن إطلاق سراح السجناء جاء بعد التنسيق مع وزيرة العدل والجهات الضبطية التي قامت بضبط الموقوفين وبإشراف إدارة العمليات والأمن القضائي.
وأكدت وزيرة العدل بحكومة الوحدة الوطنية، حليمة إبراهيم، أن عملية إطلاق سراح 78 من محتجزي “حرب 2019″، تمثل الخطوة الأولى على طريق تحقيق المصالحة الوطنية بين أبناء الوطن الواحد، ووعدت بتنفيذ المزيد من المبادرات الأخرى.
وقالت الوزيرة، في تصريحاتها خلال حضورها الاحتفال بإطلاق المحتجزين: “حكومة الوحدة الوطنية ستعمل على بناء دولة القانون واحترام القضاء، ونتعهد بإطلاق سراح جميع المحتجزين الذين يقبعون في السجون خارج القانون، وعدم احتجاز أي إنسان إلا في إطاره”.
وأضافت “حليمة”: التسامح والتصالح هما عنوانا المرحلة المقبلة، وهما السبيل الوحيد للتسامي على الخلافات وتحقيق المصالحة الوطنية، محذرة من أن أي انتهاكات لحقوق الإنسان قد تكون ذريعة للتدخلات الخارجية.
وفي إطار محاولة السلطة التنفيذية الجديدة لتقريب وجهات النظر، والسعي نحو المصالحة، توجه رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، قبل العيد بيوم واحد، إلى مدينة سرت للاحتفال رفقة أهلها.
وعقب سرت وفي اليوم الأول من عيد الفطر المبارك توجه المنفي إلى مدينة طبرق الواقعة شرق البلاد، وتحت قبضة حفتر، رغم عدم قدرة الرئاسي على السيطرة عليها بشكل فعلي هي وباقي مدن المنطقة الشرقية.
فمع تمكن الدولة من توحيد معظم المؤسسات على اختلاف أوجهها لم يتمكن المجلس الرئاسي باعتباره القائد الأعلى للجيش الليبي من توحيد المؤسسة العسكرية، والتي كانت سبباً رئيسياً في معظم المشاكل التي مر بها الليبيون.
ومع تعدد جولات اجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة لم تتمكن هي الأخرى لا من توحيد المؤسسة العسكرية ولا من فتح الطريق الساحلي الذي يربط شرق ليبيا بغربها، على طريق البحر، مما سبب معاناة كبيرة للمواطنين خاصة في عيد الفطر، نظراً لتنقلهم بشكل كبير أثناءه .
ورغم إعلان اللجنة عن جاهزية هذا الطريق للفتح لم تسمح قوات حفتر بذلك، بل أبقت على مرتزقة الفاغنر المتمركزين هناك، وقد أكد أعضاء اللجنة صحة هذا القول، ورفضت غرفة عمليات سرت والجفرة التابعة للجيش الليبي فتح الطريق إلا بعد خروج المرتزقة الذين استمروا في حفر الخنادق بالمنطقة.
وندد العديد من الجهات الدولية والمحلية، ومنها السفارة الأمريكية والبعثة الأممية، بالاستمرار في قفل الطريق الساحلي نظراً لكونه طريقاً حيوياً ويوفر على المواطنين سلك طرق وعرة، بالإضافة إلى أنه الرابط الفعلي على الأرض بين نصفي ليبيا المتخاصمين.
ورغم كون هذا العيد مختلفاً ومليئاً بأجواء المصالحة الوطنية، إلا أن آمال الليبيين أكبر وأبعد من السلم والهدنة، فينتظرون وحدة فعلية تجعل ليبيا بلداً واحداً ممتلكاً لسيادة خاصة على المستوى الدولي، وعلى مستوى أرض ليبيا، وخصوصيتها في شؤونها الداخلية.

تعليقات