رشيد خشانة – الأرجح أنه سيتعين إرجاء الانتخابات العامة، في انتظار التخلص من المسلحين ومن سلاحهم الثقيل، وهو أحد الشروط التي يتفق عليها الجميع قبل إجراء الانتخابات.

يتجه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى إعادة تشكيل تفويض بعثته في ليبيا بشكل أساسي، بما يمنحها صلاحيات العمل على نزع سلاح الميليشيات. ويتوقع غوتيريش أن يحظى بدعم كل من الولايات المتحدة وألمانيا لهذا الخيار، بعدما اتضح أن حكومة الوحدة الوطنية غير قادرة على ذلك.
غير أن هذا القرار ينطوي على محاذير ومخاطر عدة، إذ أن السيطرة على الجماعات المسلحة لا تتأتى بالبيانات والنداءات إلى تحكيم العقل، وإنما ستُضطر الأمم المتحدة، في مرحلة من المراحل، إلى استخدام القوة. هذا الاحتمال يطرح بدوره على بساط البحث مسألة تشكيل قوات حفظ سلام لمراقبة الأوضاع الأمنية ونزع سلاح الميليشيات والاشراف على رحيل القوات الأجنبية.
إلا أن خبراء عدة غير مُقتنعين بهذا الطرح، وهم يعتقدون أن الجماعات المُدججة بالأسلحة لن تتخلى بسهولة عن «الإمارات» التي تتحكم فيها، والتي لا سلطة للحكومة المركزية عليها.
وكان كلام رئيس البعثة الأممية يان كوبيش في هذا الشأن واضحا، لما صارح المشاركين في جلسة مجلس الأمن، التي خصصها لليبيا، الخميس الماضي، بقوله عن أطراف الصراع، الذين يزعمون أنهم مع الحل السياسي «أخشى أن العديد منهم ليسوا مستعدين لتنفيذ ذلك».
أما الدول الوازنة في الأمم المتحدة، مثل أمريكا وفرنسا وألمانيا، فلن تُغامر بإرسال قواتها كي تغوص في رمال الصحراء الليبية، بينما هي بصدد سحب قواتها من قواعدها عبر العالم. واستطرادا فالأرجح أنه سيتعين إرجاء الانتخابات العامة المقررة للرابع والعشرين من كانون الأول/ديسمبر المقبل، في انتظار التخلص من المسلحين ومن سلاحهم الثقيل، وهو أحد الشروط التي يتفق عليها الجميع قبل إجراء الانتخابات.

إعادة العملية الانتخابية إلى مسارها
لم تكن فكرة الإرجاء مطروحة بوصفها أحد الخيارات الممكنة، قبل عجز ملتقى الحوار السياسي عن الاتفاق على القاعدة الدستورية للانتخابات الرئاسية والتشريعية، وهو العجز الذي تطلب إعادة العملية الانتخابية برمتها إلى مسارها الصحيح.
وبدا الوضع الراهن كما لو أن هناك سباقا بين البعثة الأممية وحكومة الوحدة الوطنية على تولي الاشراف على نزع سلاح المليشيات وتسريح عناصرها وإعادة دمجها من ناحية، وترحيل القوات الأجنبية والمرتزقة، المتمركزين في ليبيا من ناحية ثانية. وفي الوقت الذي يعمل فيه غوتيريش على معاودة تشكيل تفويض بعثته بصورة جوهرية، أصدر رئيس الحكومة الدبيبة قرارا يقضي بتشكيل غرفة عمليات مشتركة لتأمين الجنوب.
وعين بموجب القرار وكيل وزارة الداخلية للشؤون العامة، العميد محمود عمر سعيد، رئيسا للغرفة التي ستضم في عضويتها مندوبين عن 11 جهازا أمنيا، بينها جهاز المخابرات وجهاز الأمن الداخلي وجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية.

وفي مقدم المهام التي منحها الدبيبة للغرفة الأمنية الجديدة، « المحافظة على الأمن في المنطقة الجنوبية، بما يضمن إسناد الشرطة، وإعداد الخطط الكفيلة بتأمين حدود البلاد الجنوبية، والتنسيق مع دول الجوار».
والمُلاحظ أن من بين المهام الأولى، التي نص عليها القرار الصادر عن مجلس الأمن، الأربعاء الماضي، «تتبُع تحركات الجماعات الإرهابية ومطاردتها والعمل على القضاء عليها والتنسيق مع الأجهزة الأمنية المختصة في دول الطوق.

في الجنوب… الدولة غائبة
وإذا ما انتقل الدبيبة إلى تنفيذ قراره، فستواجهه الجماعات التي تقاسمت النفوذ في اقليم فزان، في أعقاب انهيار مؤسسات الدولة العام 2011، وكذلك القوى القبلية التي حلت محل الدولة منذ أكثر من عشر سنوات.
ومن الوارد أيضا أن تصطدم جهود حكومة الوحدة الوطنية، على هذا الصعيد، بالدور الذي تعتزم البعثة الأممية القيام به. وتعتزم بعثة الأمم المتحدة تسمية مسؤول أمني خلال الأيام المقبلة، يُرجح أن يكون أمريكي الجنسية، لكي يتولى ملف نزع سلاح الميلشيات، وفق المخرجات التي تم الاتفاق عليها في مؤتمر برلين الثاني حول ليبيا، الشهر الماضي. وقد يقود التنفيذ المتوازي للخطتين الحكومية الليبية والأممية إلى تضارب المسارين، خصوصا أن مقاومة أمراء الكيانات المسلحة ستكون شديدة لكل من يسعى لتحجيم نفوذهم.
بالإضافة إلى صعوبة استعادة السيطرة على اقليم الجنوب الشاسع بحجم فزان، تجابه حكومة الدبيبة عقبة سياسية أخرى، تتمثل برفض مجلس النواب التصديق على الموازنة. وسيلجأ الدبيبة إلى عرض الموازنة على ملتقى الحوار، لكن إذا لم يوافق أعضاء الملتقى على الموازنة، ستكون المضاعفات كبيرة، ويمكن اعتبارها انهيارا لاتفاق وقف إطلاق النار.
ربما حرصا على إنجاز الانتخابات في ميقاتها المتفق عليه، بادر الدبيبة بتشكيل «اللجنة الوزارية المعنية بدعم وإنجاح الانتخابات». وضبط القرار مهام اللجنة وهي تتمثل في التنسيق بين المؤسسات المختلفة للعمل على دعم وتنفيذ الانتخابات، والتنسيق مع المفوضية الوطنية العليا للانتخابات وتقديم كل التسهيلات لها، إضافة إلى تفعيل الدور المناط بمؤسسات الدولة المختلفة في دعم الانتخابات. إلا أن الاكثار من الهيآت واللجان قد يؤدي إلى احتكاكات بينها ووضع عراقيل إدارية إضافية بسبب البيروقراطية.

جماعة «مجهولة الهوية»
أكثر من ذلك، يُشكك كثير من المراقبين بفرص تحقيق تقدم في العملية السياسية طالما أن الحكومة لا تتحكم في الأوضاع الأمنية، ليس فقط في المناطق الداخلية، وإنما في العاصمة أيضا. وليس أدل على ذلك من اختطاف وكيل وزارة الشباب أحمد أبو بكر ميلاد، الأربعاء، من أمام بيته وتعنيفه على أيدي جماعة «مجهولة الهوية» بحسب السلطات، قبل أن تُفرج عنه في اليوم التالي.
حملت تلك العملية الخطرة دلالات كثيرة على حقيقة الأوضاع في العاصمة، واستطرادا في باقي المدن، حيث تزعزعت المكانة الاعتبارية للدولة، بعدما تكرر عجزها عن ملاحقة الجناة واستنطاقهم ومُعاقبتهم.
وكان عبدالمنعم العرفي مدير مكتب الدعم التقني بديوان مجلس الوزراء، تعرض للاختطاف هو الآخر، الإثنين الماضي، أثناء عودته من عمله، ولم تُعرف الجهة التي خطفته.
وقبل ذلك هاجمت جماعة مسلحة مجمع فنادق «ريكسوس» بالعاصمة طرابلس، بنية الاعتداء على وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش، عقابا لها على تصريحات شددت فيها على ضرورة إجلاء جميع المقاتلين والمرتزقة الأجانب من ليبيا بلا استثناء. لكن الهجوم فشل لأن الوزيرة لم تكن يومها في الفندق، الذي تتخذ منه الحكومة المؤقتة مقرا لها.
وزاد الطين بلا اتجاه الأمم المتحدة إلى جعل بعثتها للدعم في ليبيا تتعهد بالقضايا التي لم يستطع الليبيون حسمها، ومنها تسريح المليشيات ونزع سلاحها وإعادة دمجها وترحيل القوات الأجنبية والمرتزقة. إلا أن المنطق البديهي يقول إن ما لم يقدر عليه أهل البلد، وهم العارفون بشعابه ومنعرجاته ومنخفضاته، لا يمكن أن يقدر عليه الأجانب.
مع ذلك، لم يكن البيان الصادر عن مجلس الأمن في خاتمة اجتماعه الأخير بالقوة المنتظرة، إذ اكتفى بحض السلطات والمؤسسات ذات الصلة، بما في ذلك مجلس النواب، على اتخاذ إجراءات فورية لتوضيح الأساس الدستوري للانتخابات وسن التشريعات عند الضرورة للسماح بإجراء الانتخابات، على أن يُمنح للمفوضية العليا الوقت والموارد الكافية للتحضير للانتخابات، وفقًا للجدول الزمني المنصوص عليه في خريطة طريق ملتقى الحوار السياسي (تونس – نوفمبر الماضي).
والمُلاحظ أن مجلس الأمن ألقى بالمسؤولية في إنجاح المسار الانتخابي على مجلس النواب، إذ شدد في بيانه على أهمية «أن يكون هناك نهج شامل لعملية المصالحة»، مرحباً بدعم الاتحاد الأفريقي في هذا الصدد، وكذلك «المنظمات الإقليمية بما في ذلك جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي».

تجميد الأصول
ربما نقطة القوة الوحيدة في بيان المجلس هي التعبير عن عزمه على ضمان تجميد الأصول التابعة لمعرقلي المسار، عملاً بالقرار 1970 لسنة 2011.
لكن الأرجح أن مصير التوصيات الجديدة لن يكون أفضل من التوصيات السابقة، الصادرة عن مجلس الأمن، الذي سبق أن هدد وتوعد بالويل والثبور المُصرين على إرسال شحنات الأسلحة إلى أطراف النزاع، بعد تنفيذ قرار وقف إطلاق النار، لكنه لم يتخذ عقوبات في حقهم.
كما أن اجتماع الدبيبة ووزير الخارجية الألماني هايكو ماس في نيويورك، على هامش جلسة الأمن، لم يُسفر سوى عن كلمات فضفاضة، من دون إجراءات ملموسة، تخص المسألتين اللتين كانتا محور الاجتماع، وهما ترحيل المقاتلين الأجانب وإجراء الانتخابات العامة في ميقاتها.
مع ذلك ما زال يان كوبيش يرى خيطا رفيعا من التفاؤل في المشهد الليبي القاتم، مُعلقا آمالا كبيرة على الاجتماع الذي تستضيفه إيطاليا الأسبوع المقبل، على خلفية إخفاق أعضاء ملتقى الحوار السياسي في جنيف في الاتفاق على قاعدة دستورية للانتخابات.

ويخص الاجتماع اللجنة البرلمانية المشكلة الأسبوع الماضي لصياغة قانون انتخابي يسمح بإجراء الانتخابات في موعدها. وتضم هذه اللجنة من بين أعضائها، رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، وأعضاء المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، بمن فيهم رئيسها عماد السايح.
وتُسهل البعثة الأممية الجهود المبذولة لإيجاد أرضية مشتركة بين الأطراف، من خلال لجنة التوافق المصغرة المُشكلة في جنيف مثلما أسلفنا.
في هذا السياق طلب المبعوث الأممي من كل خمسة أعضاء من الملتقى تعيين عضو يمثلهم من أجل مناقشة القضايا العالقة، وكانت النتيجة تشكيل لجنة من حوالي 13-14 عضوًا، اجتمعت عبر تقنية الفيديو.
كما أفاد كوبيش بتشكيل لجنة برلمانية جديدة الأسبوع الماضي، لصياغة قانون انتخابي يسمح بإجراء الانتخابات في 24 ديسمبر، وهي اللجنة التي تعتزم الاجتماع في إيطاليا الأسبوع المقبل.
يُقر كوبيش بانقسام أعضاء الملتقى خلال اجتماع جنيف الأخير إلى «تكتلات ومجموعات ذات مصالح وانتماءات مختلفة. وسجل أنهم لم يتمكنوا من الاتفاق على مقترح نهائي للانتخابات، مشيرا إلى أن الوضع في ليبيا بات أكثر صعوبة وتوترًا جراء ذلك الفشل. ورأى المبعوث الأممى أن «جميع القوى الراهنة الجديدة تستخدم تكتيكات مختلفة وحججا غالبا ما تكون مشروعة، لكن النتيجة واحدة وهي عرقلة الانتخابات».

تعليقات