كتابا «طيح سعدك وأخواتها» لفريدة الحجاجي و«صباح الخير طرابلس» لجمعونة مادي في ضيافة منتدى أصدقاء المسرح (بوابة الوسط)

 

احتضن منتدى أصدقاء المسرح بزنقة باكير، اليومين الماضيين، ندوة نقدية نظمتها الجمعية الليبية للآداب والفنون، حول كتابي «طيح سعدك وأخواتها» للكاتبة فريدة الحجاجي، «صباح الخير طرابلس» للكاتبة جمعونة مادي الصادرين عن دار الرواد، قدمت خلالها ورقات بحثية من جانب الكتاب يوسف الغزال وأسماء الأسطى وأحلام الكميشي، وإدارة الأستاذة أمل ساسي.

وأشارت الباحثة أسماء الأسطى في سياق حديثها عن كتاب «صباح الخير طرابلس» إلى أن سنة 1987 شهدت إصدار القرار 290 الذي يحظر كتابة اللهجة العامية في الصحف الليبية، وهو أحد الأسباب التي جعلت الأمثال وأغاني العلم والتراث بتنوعه تغيب عن الصحف بحكم منع نشر اللهجة العامية، وتمكنت الكاتبة جمعونة بحكم إقامتها بطرابلس من جمع الكثير من الصور عن محيطها ونفائس الأمثال وتكملتها بأزجال من تأليفها موثقاً في كتابها المشار إليه.

عادات وتقاليد
وذكرت الأسطى جزءاً مما أوردته الكاتبة في إصدارها بالقول «المدينة القديمة ضيقة الشوارع واسعة القلوب، تفتح الذاكرة أقفال أبوابها والتي هي على حافة النسيان» وفي وصف آخر لأحد التجار تقول «نهض الشائب يرتعش ببذلته الصفراء باحثاً عن نظارته.. وتستطرد: ثم فتح باب دكانه الضيق الذي لا يحتمل وجود اثنين معاً».

وأردفت أن جمعونة استطاعت توثيق جزء من عادات وتقاليد المدينة القديمة كذلك تفاصيل الأبواب ومقابضها، إضافة إلى سردها عن عالم البنات ومهارتهن في إتقان بعض الأشغال اليدوية كالتطريز..الخ.

كما توقفت في كتابها عن رائدات ورواد المدينة القديمة، وأوائل المعلمات اللاتي قمن بتعليمها فن الخياطة كالسيدة كميلة القره مانللي، نيرمين بن ارحومة، ولا يفوتها التدقيق في الاختلاف بين أردية النساء اليهوديات والعربيات، حيث يتميز الأول بوجود رسم المربعات بينما الثاني مميز بالخطوط.

وبينت قدرة الباحثة على تتبع تطور التاريخ الاجتماعي للمدينة ورصدها لملامحه في المناسبات والحفلات موثقاً بأسماء شخصيات معروفة كالطاهر زقلوط كأشهر مزين للعرائس في طرابلس، كذلك توثيقها للعرف الموسيقي السائد في كل فترة وأسماء فنانيه مع تنوع ذائقة المتلقي وموضة استخدام الأجهزة الإلكترونية المتاحة في كل زمن العاكس لروح وثقافة ذلك الزمن.

ذاكرة فنية
وأضافت أن الكاتبة جمعونة نمت ذاكرتها على أغاني الفنانين سلام قدري، محمد الجزيري، عبداللطيف حويل، خالد سعيد، علي القبرون، وعلاوة على ذكرها لأسماء الممثلين أيضا فهي تقف عند شخصية سعيد النالوتي وهو والد الرسام علي قانة، وصاحب مقهى معروف بمقهى سعيد الواقع أسفل برج الساعة، ولا يفوتها ربط الأدباء والكتاب بأماكن سكناهم مثل الكاتب علي فهمي خشيم القاطن بزنقة «شلاكة» والشاعر علي صدقي عبدالقادر بزنقة «أشمل».

وانتقلت الباحثة أسماء الأسطى في ورقتها للحديث عن كتاب «طيح سعدك وأخواتها» معلقة على جملة «مفردات من اللهجة الليبية» بأنها لهجة طرابلسية وليست ليبية لأن الأخيرة تعني جامعة لكل مفردات مدن ومناطق البلاد وهو ما لا ينطبق على فحوى مادة الكتاب، إضافة إلى سرد بعض الأمثال دون الإشارة إلى المصدر، كما أشادت بقدرة الحجاجي على وصف جماليات «الحوش الطرابلسي» بتفاصيله.

رؤية ذاتية
وقالت الكاتبة الصحفية أحلام الكميشي في ورقتها أن الكتابين يمثلان نموذجاً للتوثيق برؤية ذاتية حيث يرصد الأول وهو «طيح سعدك وأخواتها» اللهجة المتداولة في مدينة طرابلس فيما يعاين الثاني وهو كتاب «صباح الخير طرابلس» أماكن وأعلاماً وطقوساً اجتماعية سائدة آنذاك.

وبتوقفها عند مؤلف «طيح سعدك» تشير إلى جمال عبارة مقدمته التي تقول فيها الحجاجي «إلى ليبيا التي غادرتها يوماً ولم تغادرني لحظة»، كشعور وجداني يمزج بين اليوم واللحظة، ولا تخفي الكميشي ملاحظاتها حول عنوان الكتاب إذ مثل لها محط استغراب، فالجملة تحيد عن النمط المعتاد أو المتعارف عليه، فهي عبارة تستخدم لانتقاد شخص ما في حضوره وتوجيه الخطاب له بأسلوب جاف، وهو يختزل أيضا مضمون الدعاء عليه بقلة الحظ.

وأضافت أن سياق المادة الاجتماعية الموثقة يتماهى مع لوحة الغلاف للفنان الراحل محمد الزواوي لامرأة تجلس أمام المرآة ممسكة بالمبرد الذي تمرره على لسانها ما يعني أن جلستها ستكون حافلة بالغيبة والنميمة، فالكتاب يشكل كشفاً لواقع دلالة الألفاظ واستخداماتها خاصة ما يتعلق بعالم المرأة أو ما يحدث في الجلسات النسائية.

وعرضت الكميشي جملة من المقارنات والاستشهادات والمقابلات التي شملها الكتاب بين المفردة ومعناها ومراحل تطورها في الحقل الاجتماعي.

كتاب لا يمل
ويصف الكاتب يوسف الغزال إصدار «صباح الخير طرابلس» بأنه كتاب لا يمل إذ وثقت فيه الكاتبة مظاهر الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية، وكذا يمكن تصنيفه فيما يشبه أدب السيرة الذاتية الشاملة حيث تجعل من الزمان والمكان موضوعاً في الكتاب فهو يتناول حياة الناس وذاكرة المكان، وتستعرض جمعونة على لسان الراوي بضمير المتكلم مراحل حياتها وتفاصيل البيئة التي عايشتها في المدينة القديمة.

وأورد الغزال مقاطع من نصوص زجلية تتغنى بها الكاتبة في حب طرابلس معبرة عن اشتياقها وحنينها إلى مسقط رأسها، وبذكرها لبعض الأغاني الجميلة من الستينيات يعلق بقوله: «إن الأغنية تعد المخزون الطبيعي للتعابير وهو تكمن مهمة الكاتب في جعل المفردة حية مع تتابع الزمن»، إضافة إلى تطور دلالة الكلمات يفرض علينا مواكبة معانيها وفهمها وإدراك خلفيات المسميات الحاملة لها.

وعرض جانباً مما وثقته الكاتبة لمظاهر انقرضت والباعة المتجولين مثل «بائع السحلب والفول والورد والسفنز، والتين الهندي» إضافة لتطرقها لأغاني الأطفال مثل «هذا قنديل وقنديل»، «ياقمر علالي سافري وتعالي»، وهي أغان شكلت وجدان الفنانين محمد صدقي

وأحمد سامي وغيرهم وجسد فيها الفنانون حالة التمثل بين واقعهم وثقافتهم.

ويرى الغزال بتطرقه إلى كتاب «طيح سعدك» أن الكاتبة أرادت من العنوان بث الخصوصية الليبية وأن مادته تتحدث عن ليبيا تحديداً، وهي تنسف في مضمونها المألوف السائد، كما تقربنا من مسألة تباين المفردات فيما بينها على المستوى المحلي من جهة وترسم مقارنة ذهنية مع نظيراتها على المستوى العربي.

 

 

تعليقات