إن تفتخر بعض البلدان بأنها صاحبة أجمل ورقات نقدية هي أشبه بلوحات فنية على غرار سويسرا وكندا… فإنه يحق لتونس أن تفتخر بكونها صاحبة الريادة في تكريم المرأة بوضع صورتها على العملة منذ فجر الاستقلال.

في المقابل، لم تقرّر الولايات المتحدة التي عرفت رئيسا بقيمة أبراهام لينكون وضع صورة المرأة على نقودها إلا سنة 2016. وقد ظهرت المناضلة صاحبة البشرة السوداء هارييت تابمان على ورقة العشرين دولارا أمريكيا بدلا من الرئيس الأمريكي السابع آندرو جاكسون، لتكون بذلك أوّل امرأة تظهر صورتها على العملة الأمريكية منذ أكثر من قرن.

في تحية تقدير واعتراف بالجميل للأطباء وأعوان الصحة بصفتهم أبطال المرحلة في مجابهة وباء كورونا، أصدر البنك المركزي التونسي ورقة نقدية جديدة تحمل صورة توحيدة بالشيخ، أول طبيبة تونسية في تونس والعالم العربي.

توحيدة بالشيخ وتكريم للأطباء في زمن الكورنا
في بادرة لطيفة وطريفة، اختار البنك المركزي التونسي أن يصدر ورقة نقدية جديدة من فئة عشرة دنانير تحمل صورة الطبيبة توحيدة بالشيخ تكريما لقطاع الصحة وتحية لجنود الرداء الأبيض الذين يبذلون كثيرا من الجهد والتضحية في سبيل إنقاذ حياة المصابين بفيروس كورونا. كما تتنزل هذه الحركة الجميلة في سياق رفع التحية إلى المرأة التونسية حيث كانت توحيدة بالشيخ أوّل طبيبة في تاريخ البلاد التونسية.

من هي الطبيبة الشهيرة التي حفظ اسمها التاريخ والطب توحيدة بالشيخ؟ أورد الكاتب منصف بن مراد في كتابه «مادام في الثورة التونسية نساء…» تعريفا لتوحيدة بالشيخ جاء فيه: «ولدت توحيدة بن الشيخ يوم 2 جانفي 1909 بتونس، وقد كانت أول طبيبة في العالم العربي حيث مارست طب الأطفال ثم طب النساء… وهي من عائلة ميسورة من رأس الجبل. درست لدى الراهبات وكانت من أوائل التلاميذ في معهد نهج روسيا. وبعد أن نجحت في البكالوريا بأفضل معدل سنة 1928 سافرت إلى فرنسا مصحوبة بليليا زوجة الطبيب والباحث الفرنسي الدكتور «بيورني» والذي أضحى لاحقا مديرا لمعهد باستور. ولم. في عام 1936 عادت إلى تونس ومعها شهادة الطب. وقد كرمتها بشيرة بن مراد مؤسسة الاتحاد النسائي الإسلامي. عُرّفت الدكتورة توحيدة بالشيخ بنضالها من أجل حقوق المرأة. كما شاركت منذ سنة 1937 في أنشطة نادي الفتاة والاتحاد النسائي الإسلامي. باشرت الطب الخاص إذ كانت المستشفيات العمومية مراقبة من قبل سلطة الاحتلال ثم ساهمت في إرساء سياسة التنظيم العائلي عبر إحداث أول قسم له بمستشفى شارل نيكول سنة 1963. توفيت توحيدة بالشيخ في 6 ديسمبر 2010 عن سن تناهز 101 سنة».

وكانت توحيدة بالشيخ محل احتفاء تونسي كبير خاصة في السنوات الأخيرة من خلال إنتاج فيلم وثائقي يحكي سيرتها بعنوان «نضال حكيمة» عام 2013 وإصدار البريد التونسي لطوابع بريدية تحمل صورتها.
كما يجب ألا نغفل أن الوجه الخلفي لورقة 10 دنانير الجديد احتفى بطريقة غير مباشرة بالمرأة التونسية وتحديدا بنساء سجنان، المبدعات على الفطرة والفنانات المتتلمذات على يد الطبيعة. وقد حملت الورقة النقدية الجديدة صورة لفخار سجنان الذي تم تسجيله في قائمة التراث العالمي لليونسكو.

أنيسة لطفي أول امرأة توضع صورتها على العملة
إن حظي إصدار ورقة نقدية تحمل صورة الطبيبة توحيدة بالشيخ بالإعجاب والإطراء، فقد غاب عن ذاكرة البعض أن هذه الطبيبة ليست أول امرأة تظهر ملامحها على العملة التونسية. بل كانت الفنانة أنيسة لطفي هي صاحبة لقب أوّل امرأة توضع صورتها على النقود.
فمنذ الاستقلال، قرر الزعيم بورقيبة تكريم المرأة عبر وضع صورتها على عملة البلاد التونسية. ولعل ما يجهله الكثيرون هو أن صورة الممثلة أنيسة لطفي مرسومة على العملة التونسية وذلك بعد أن رشحها الرئيس الحبيب بورقيبة لهذا الشرف على إثر مشاهدته لها على المسرح لتكون صورتها مطبوعة على الورقة المالية «الدينار» التي توقف التعامل بها وكذلك القطعة الحديدية من قيمة الدينار والتي لا يزال التعامل بها متواصلا إلى حد اليوم.

وقد جلبت الممثلة أنيسة لطفي اهتمام الرئيس بورقيبة بفضل حسها المرهف على الركح وملامحها الهادئة والمسالمة … فأمر بوضع صورتها على الدينار المعدني والورقي.
وكانت الفنانة القديرة منى نورالدين صاحبة الفضل في تقديم أنيسة لطفي إلى المسرحي علي بن عيّاد مدير فرقة مدينة تونس. ومن هناك كانت انطلاقتها للمشاركة في عديد الأعمال العربية والأجنبية. كما كان لها لقاء مع الممثل المصري الكبير جميل راتب على ركح مسرحية «عطيل» لفرقة مدينة تونس سنة 1966.

وتحتل الممثلة أنيسة لطفي مكانة هامة في قلوب جمهور الدراما من خلال أدائها اللافت في عديد المسلسلات الرمضانية على غرار «قمرة سيدي المحروس» و»يا زهرة في خيالي» و »صيد الريم»…

وقد كرّمت الدورة 19 من أيام قرطاج المسرحية سنة 2017 الفنانة أنيسة لطفي صحبة الفنان المصري محمد صبحي تكريما لمسيرتها كواحدة من أبرز الممثلات في المسرح والتلفزيون والسينما…
ومن الفنانة أنيسة لطفي إلى الطبيبة توحيدة بالشيخ، لاشك أن التاريخ التونسي يحفل بسير النساء الرائدات والرائدات ممن هن جديرات عن استحقاق بأن تكون صورهن على الورقات النقدية وأن تحتل أسمائهن قلب الأحداث والحياة.

 

 

تعليقات